Author

مؤشرات جذب الكفاءات والاستدامة

|


جاء الخطاب الملكي السنوي في مجلس الشورى قبل عدة أيام ليؤكد أهمية استخدام المؤشرات العالمية لقياس الأداء، وذلك عندما أشار إلى ما تحقق من تقدم بشأن مقاييس ومؤشرات سهولة الأعمال وتصدرها قمة المؤشر في التحسين الذي حققته الدول، و اهتم الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بربط جميع مبادرات رؤية المملكة 2030 بالمؤشرات ذات العلاقة، وهذا الاهتمام جعل المؤسسات الحكومية تولي هذه المؤشرات عناية مهمة وتعمل جادة على إصلاحات مهماتها كافة لأجل تحقيق تقدم ملموس، وأثمر هذا عن تقدم المملكة إلى المرتبة الـ26 في التنافسية العالمية.
كما أن المملكة تقدمت في الترتيب العالمي لمؤشر التجارة عبر الحدود 72 مركزا لتقفز من المرتبة الـ158 إلى المرتبة الـ86، وبالأمس تقدمت السعودية خمس مراتب نحو الأعلى في ترتيب أكثر الدول الجاذبة للكفاءات، لتحتل المركز الـ29 بين 63 دولة في العالم.
ولإلقاء الضوء على أهمية ما تحقق بشأن قدرة الاقتصاد على جذب الكفاءات فمن المهم الإشارة إلى أن الخطاب الملكي ركز على أهمية النمو المستدام والتنمية الشاملة، في المقابل، فإن هذه المفاهيم مرتبطة بشكل مباشر بالابتكار والتطوير، وهذه الأخيرة ترتبط بما يملكه الاقتصاد من رأسمال بشري وكفاءات ومهارات، ولهذا تعنى المؤسسات الدولية بقياس ما تمتلكه الدول من رأسمال بشري فتتم قراءة مؤشرات التعليم والإنفاق عليه وكذلك التدريب حتى الصحة ومتوسط العمر لأن هذه لها علاقة مباشرة ومؤثرة في قدرة الاقتصاد على الابتكار والتطوير ومن ثم الاستدامة. فالتصنيف العالمي للمواهب الصادر عن مؤسسة "إم آي دي" السويسرية للأبحاث، يقيس قدرة 63 دولة على تطوير وجذب والاحتفاظ بالمهنيين المؤهلين استنادا إلى ثلاثة معايير تتفرع عنها عدة مؤشرات. فالمعيار الأول يتمثل في "الاستثمار والتنمية" والثاني في مدى "اجتذاب الدولة للمواهب" المحلية والأجنبية، وأخيرا، "الجاهزية". وهذه المعايير ترتبط بقضايا مثل نوعية الحياة، ومنها الصحة وكذلك قضايا التدريب المهني، ومناهج التعليم، والاهتمام بالعمالة ذات المهارات العالية عبر الحدود.
ومن الملاحظ أن هناك منافسة عالمية على الفوز بالكفاءات العابرة للحدود، ذلك أن تدفق الكفاءات يعني أن الفرص الاقتصادية للنمو والابتكار ومن ثم الاستدامة ستتحسن بشكل جوهري، ولكن هذا مرتبط بقضايا أخرى مثل الاستقرار الاقتصادي فقد تمت ملاحظة أن الاقتصاد التركي تراجع سبع مراتب خلال عام واحد ليحتل المركز الـ58 بعد أن كان في المركز الـ51 في 2018، وهبطت تركيا في مؤشر "توافر المهارات المالية" و"المديرين الأكفاء ذوي الخبرات الدولية" وكذلك معايير التعليم، ويمكن ملاحظة أن هذا التراجع مترابط مع ما تشهده تركيا من أزمة اقتصادية وتراجع سعر الصرف. في المقابل تجد أن السعودية والإمارات حققتا قفزات في هذا المضمار ما يدل على أن الاستقرار الاقتصادي عامل أساسي لجذب الكفاءات إضافة إلى ما تحقق في مجالات "الاستثمار والتنمية"، وفي مجال "الجاهزية" و"تدريب الموظفين"، و"توافر كبار المديرين ممن يملكون خبرات دولية" كما صعدت في "فعالية التعليم الجامعي" و"المهارات اللغوية"، وجاءت الإمارات في المركز الـ30 - بعد السعودية مباشرة.
تشير البيانات المنشورة للتصنيف العالمي للمواهب إلى سيطرة دول أوروبا على التراتيب الأعلى في هذا المؤشر، وسويسرا في المركز الأول وذلك نتيجة تفوقها في مؤشرات "نوعية الحياة"، و"نظام التعلم"، و"البنية التحتية الصحية"، و"الاهتمام بالعمالة ذات المهارات العالية عبر الحدود". وكانت سنغافورة الدولة الوحيدة غير الأوروبية التي تصل إلى المراتب العشر الأعلى. وإذا كانت هذه المؤشرات الأساسية التي تقدم وعودا جيدة بشأن الابتكار والاستدامة وإذا كانت رؤية المملكة 2030 تشير إلى هذه المعايير بكل وضوح في محاورها الأساسية، فإن تقدم المملكة في هذه المؤشرات جاء نتيجة اعتماد رؤية المملكة منهج عمل، كما أنها لا تزل تعدنا بالكثير.

إنشرها