مع غموض الوضع التجاري الراهن بين الولايات المتحدة والصين، واستمرار الحرب التجارية بينهما بصور مختلفة، تزداد المخاوف من توسع نطاق هذه الحرب على الساحة الدولية.
وتحذر المؤسسات العالمية المختصة من مغبة اتساع رقعة الحرب منذ فترة طويلة، وقدمت الأدلة التي تدعم مخاوفها، خصوصا في ظل نمو اقتصادي عالمي هش، في حين لا تزال هناك جهات تتحدث عن إمكانية دخول هذا الاقتصاد مرحلة من الركود، أو شكلا من أشكال الكساد، بينما لم يمر عام تقريبا على الإعلان، أن الاقتصاد العالمي تخلص نهائيا من آثار الأزمة الاقتصادية التي ضربته في عام 2008. والواضح، أن الطرفين الأمريكي والصيني ليسا مستعدين لإبداء المرونة في المفاوضات التي تجري بينهما.
وفي الآونة الأخيرة، شهدت الساحة سلسلة من الإجراءات التجارية الانتقامية بين هذين البلدين، عن طريق فرض رسوم جمركية إضافية من جانب، وفرض رسوم مشابهة من الجانب المقابل. والإدارة الأمريكية الحالية مصممة على أنها تقوم بذلك نظرا لـ"ظلم" تجاري تتعرض له البلاد منذ عقود، وأن الإدارات الأمريكية السابقة لم تقم بما يكفي لرفع هذا "الظلم". وفي المقابل ترى الحكومة الصينية أن الإجراءات الأمريكية ظالمة لها أيضا، رغم أن بعض البلدان الأخرى ترى أن الصين تمارس الحمائية بصورة واضحة في بعض المجالات، بل تعرضت بكين مطلع العام الجاري لاتهامات رسمية من واشنطن بأنها تقوم بالتلاعب في قيمة عملتها على مستوى واسع، وذلك من أجل دعم حراكها التجاري الخارجي.
ويرى كثير من الاقتصاديين أن أضرار الحرب التجارية الراهنة، لا تتعلق بطبيعتها فقط، بل تشمل أيضا تأخر التوصل إلى حلول لها، على الرغم من وجود مفاوضات حقيقية بين البلدين المعنيين. وهذه الحرب تجري بصورة أقل حدة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين أنفسهم، الذين قرروا المضي قدما أيضا ضد أي إجراءات انتقامية تتخذها واشنطن ضدهم. وهذا حدث بالفعل بين الولايات المتحدة وكل من فرنسا وألمانيا هذا العام، ما زاد من مخاوف الاقتصاديين حول العالم. فإذا كان المشكلات التجارية يصعب حلها بين الحلفاء، فكيف الحال بالمشكلات التي تدور بين جهتين ليستا حليفتين؟ الأمر الذي دفع المؤسسات الدولية مجددا إلى التأكيد على ضرورة رؤية نهاية عملية وواقعية للأزمة التجارية الراهنة بين بكين وواشنطن.
الحرب التجارية الراهنة بدأت بالفعل تأثيراتها السلبية في الاقتصادات الناشئة، التي تعد الأقل مناعة، مقارنة باقتصادات الدول المتقدمة. وإذا ما استمرت هذه الحرب على المنوال الراهن، فإنها ستمتد إلى هذه الاقتصادات بصورة أعنف، وهو آخر ما يحتاجه الاقتصاد العالمي الذي يعاني بطئا شديدا في النمو، بما في ذلك على ساحة الدول الصناعية الكبرى. لا شيء يقف في وجه الازدهار الاقتصادي العالمي سوى حروب أو معارك تجارية هنا وهناك. والأمر يصبح أكثر خطورة وتعقيدا عندما يشمل قوى اقتصادية كبرى كالولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي. وعلى هذا الأساس هنا أرضية صلبة لهذه المخاوف، التي لن تزول قبل أن يعلن المسؤولون في بكين وواشنطن اتفاقا تجاريا ما بعد سلسلة طويلة ومضنية من المفاوضات بينهما. وحتى هذه اللحظة لا تلوح في الافق أي بارقة أمل لمثل هذا الاتفاق، بصرف النظر عن تصريحات إيجابية بين الحين والآخر من قبل الطرفين. فبعد كل تصريح من هذا النوع، تتعقد المسألة التجارية بينهما.