Author

القهوجي

|

قبل عدة أعوام حضرت اجتماعا في إحدى الجهات.كان الذي يسقينا القهوة شاب أنيق في مظهره وكلماته. طلب منه أحد الحضور قهوة أمريكية فاعتذر لعدم توافرها حاليا. لكن بعد نصف ساعة عاد هذا الشاب وبيده القهوة الأمريكية السوداء الحالكة. قدمها إلى زميلي. وسأله كيف توافرت الآن وأنت أخبرتني قبل قليل أنها غير متاحة؟ أجاب وهو مبتسم: "المهم أنك ترتشفها الآن. صحة على قلبك".
لم ينته الحوار بينهما. فبعد أن انصرفنا وانتهى الاجتماع، اتجه صاحب القهوة السوداء إلى القهوجي الشاب وهو واقف في غرفة إعداد القهوة، وسأله: "أرجوك، كيف وفرت القهوة؟". رد وهو منشرح: "شعرت برغبتك في هذه القهوة، فحرصت أن أذهب بنفسي إلى أقرب مقهى وأحضرها لك. وأرجو أنك شربتها حارة ولم تبرد".
لا إراديا عانق الشخص القهوجي وشكره بسخاء، وقال له: "ستكون شيئا كبيرا". تدخلت من جانبي وصادقت على كلامه. أخبرته أن هذا التصرف البسيط يعكس مهارة في التواصل وكرما في التعامل وتفانيا في العمل، وقطعا ستقوده هذه السلوكيات إلى مكانة كبيرة، بتوفيق من الله.
مرت أعوام عديدة، وأثناء وجودي في أحد المطاعم، التقيت شابا لطيفا. سألني فور أن صافحني "هل عرفتني؟" أجبته بعد أن عصرت رأسي: "العتب على النظر والذاكرة. مع الأسف لا أتذكر. سامحني". ابتسم وأضاء وجهه، وقال "أنا القهوجي الذي التقيته قبل أعوام في أحد الاجتماعات. لقد قال الشخص الذي كان يرافقك "صاحب القهوة السوداء" إنه سيكون لي شأن في المستقبل، ربما سأكون كذلك قريبا". سألته بعد أن تذكرته تماما: كيف ستنال ذلك؟ فأجابني بأنه افتتح مقهى خاصا به ويحقق نجاحا كبيرا، ويعتزم افتتاح آخر، والأهم من ذلك أنه حصل على قبول لدراسة الماجستير. وقد التقيناه عندما كان طالبا في الجامعة ويعمل بشكل جزئي مع إحدى الجهات لتسديد أحد القروض التي أخذها والده ولم يستطع تسديده وحده وقتئذ، ما اضطره للعمل ودعم أسرته.
كل يوم أتأكد أكثر أن من يتقن مهارة التواصل والتعامل بإحسان مع الناس، وأهله قبل ذلك، سيحقق الكثير. الكثير مما يتوقع ولا يتوقع.
أحسن إلى الناس تسلم وتنعم وترتفع. «إن الله يحب المحسنين».

اخر مقالات الكاتب

إنشرها