Author

أهمية اتخاذ إجراءات استثنائية لتوطين الوظائف

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

في الوقت الذي يواجه أي اقتصاد ومجتمع حول العالم تحديات تنموية من نمط معين، قد تشكل استدامتها مخاطر بأي درجة كانت، فلا بد من استمرار الجهود والعمل المكثف للتصدي لها، ولا بد أيضا من استمرار وضعها على طاولة الحديث والنقاش إعلاميا، وأن تتكاتف الجهود مجتمعة إلى أن تبدأ قوة التحديات التنموية تلك بالتبدد والتراجع، بل تجد الأجهزة المعنية نفسها بالضرورة بمكان ما أمام تلك التحديات مضطرة إلى اتخاذ تدابير وإجراءات استثنائية، تحظى بالمبررات الكافية للإقدام على مثل تلك التدابير والإجراءات، ارتقاء لمواجهة أقوى تجاه أي آثار سلبية محتملة، وهو ما تمتلئ به كثيرا تجارب عديد من الدول والاقتصادات حول العالم المعاصر، أثبتت خلاله مستويات ونتائج أفضل مما لو تركت تحدياتها وأزماتها خاضعة للأدبيات التقليدية للاقتصاد.
من تلك التحديات التي يواجهها اقتصادنا الوطني؛ تحدي البطالة بين صفوف المواطنين والمواطنات، فرغم تراجعه حتى منتصف العام الجاري إلى 12.3 في المائة، إلا أنه لا يزال مرتفعا ويتطلب بذل جهود أقوى وأوسع، تفوق قوتها وتأثيرها اللازم المتوافر حتى تاريخه لدى مختلف برامج التوطين الراهنة، وعلى وزارة العمل الذهاب بجرأة أكبر نحو اتخاذ التدابير والإجراءات الاستثنائية، التي تستهدف تحقيق منجز ذي فعالية ملموسة مقارنة بكل ما تحقق طوال العقدين الماضيين، وأهم تلك الأطراف المعنية شريحة المتعطلين والمتعطلات من المواطنين، التي تؤكد تفاصيلها من حيث التأهيل العلمي والتوزيع العمري، الأهمية القصوى لإسراع وزارة العمل باتخاذ ما يتم الحديث عنه هنا.
فعلى مستوى التأهيل العلمي للمتعطلين؛ شكلت شريحة حملة الشهادة الجامعية فأعلى نحو 53.8 في المائة من إجمالي المتعطلين والمتعطلات، بمعدل بطالة يصل إلى 16.7 في المائة حتى منتصف العام الجاري، وترتفع نسبة تلك الشريحة بحال تم أخذهم كحملة الشهادة الثانوية فأعلى، لتصل إلى 91.3 في المائة من إجمالي المتعطلين والمتعطلات، بمعدل بطالة يصل إلى 13.4 في المائة للفترة نفسها.
وعلى مستوى التوزيع العمري للمتعطلين؛ شكلت شريحة أعمارهم بين 20 و29 عاما نحو 63.4 في المائة من إجمالي المتعطلين والمتعطلات، بمعدل بطالة مرتفع جدا وصل إلى 26.8 في المائة حتى منتصف العام الجاري، ويرتفع الوزن النسبي لشريحة الشباب عموما بحال تم أخذها لمن أعمارهم بين 20 و34 عاما، لتصل إلى 83.7 في المائة من إجمالي المتعطلين والمتعطلات، بمعدل بطالة يصل إلى 21.7 في المائة للفترة نفسها.
إننا في مواجهة تلك المؤشرات، لا بد أن نبذل جهودا أوسع وأكثر قوة عبر مختلف برامج التوطين الراهنة، ولا بد أن تتخذ على وجه السرعة، وأن تتسم تلك التدابير والإجراءات بقدر عال جدا من الحزم والاستثناءات اللازمة، وما تم طرحه في مقالات أخيرة حول تفويض جهود توطين سوق العمل المحلية للأجهزة الحكومية، كل جهاز حسب النشاط والقطاع الذي يخضع لإشرافه ورقابته؛ كقطاع التأمين الخاضع لإشراف ورقابة مؤسسة النقد، التي أثبتت على مستوى توطين قيادات وفرص العمل في ذلك القطاع نجاحا بارزا، أثمر خلال أقل من عامين فقط، ارتفاع معدل التوطين من 55 في المائة بنهاية 2016، إلى أعلى من 72 في المائة بنهاية 2018، وارتفاع معدل توطين المناصب القيادية والتنفيذية من 27 في المائة بنهاية 2016، إلى نحو 55 في المائة بنهاية 2018، وانخفضت مقابل ذلك سيطرة العمالة الوافدة على تلك المناصب من 73 في المائة بنهاية 2016، إلى نحو 45 في المائة بنهاية 2018. أؤكد أن ما تم طرحه في سياق ما تقدم، ليس إلا جزءا صغيرا من الجهود والإجراءات اللازم بذلها، علما أن الإقدام على تكرار تجربة مؤسسة النقد مع قطاع التأمين، وتوسيع دائرتها على مستوى أغلب نشاطات وقطاعات الاقتصاد الوطني، كفيل بمشيئة الله وتوفيقه بتحقيق نتائج أفضل بكثير مما تحقق حتى تاريخه على مستوى توطين فرص العمل في القطاع الخاص.
إن المطلوب عمله وبذله على أرض الواقع في إطار مواجهة تحدي البطالة؛ أكثر بكثير، ويختلف أيضا عما يتم أخذه في الحسبان تجاه تبريرات أرباب المنشآت في القطاع الخاص، بعدم القدرة على مجاراة برامج التوطين المختلفة، وصعوبة تلبية متطلباتها، وهو الأمر الذي ثبت عدم حقيقته إلى حد بعيد، إذا ما نظرنا جميعا إلى ما تم إنجازه من معدلات توطين لافتة في قطاعات اقتصادية كقطاعات المال والتأمين، وما يمكن وصفه بالليونة في محلها التي وجدتها منشآت القطاع الخاص من قبل وزارة العمل، لم يفض إلا إلى مزيد من الاستقدام من جانب، ومن جانب آخر إلى محافظة العمالة الوافدة على مواقعها الوظيفية في المستويات المتوسطة والأعلى.
ختاما؛ لا بد على وزارة العمل أن تضع عدسة أخرى تكون محدداتها مكونة في أغلب أطرها مما تقدم ذكره أعلاه، وعليها مسؤوليات ومهام تتطلب فعليا اتخاذها تدابير وإجراءات أكثر حزما وجرأة، ترتقي بقوتها وجديتها إلى القدر والقوة الكافيين في مواجهة البطالة.

إنشرها