Author

دعم النفط مصدره العالم النامي

|


وصل معدل حجم الطلب العالمي من النفط إلى 75.8 مليون برميل يوميا عام 2000، بينما يفيد أحدث البيانات بأنه سيبلغ نحو 100 مليون برميل في 2019. ويتضح من ذلك نمو الطلب العالمي بنحو 32 في المائة، أو ما يقارب 24.2 مليون برميل يوميا خلال 19 عاما. بالتدقيق في بيانات نمو طلب العالم، كانت هناك فروقات كبيرة بين الدول والمجموعات الاقتصادية. وشكل نمو طلب الدول النامية، خصوصا الآسيوية، كل نمو الطلب على النفط تقريبا خلال العقدين الماضيين. ومثل نمو استهلاك الصين والهند نحو شطر النمو العالمي في العقدين الماضيين.
ظل متوسط طلب الدول الصناعية المتقدمة - المتمثل في مجموعة الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية - شبه ثابت خلال الفترة، حيث كان نحو 47.83 مليون برميل يوميا عام 2000، وما زال تحت مستوى 48 مليون برميل يوميا في 2019. ونتيجة ذلك، تراجعت مساهمة المجموعة الاقتصادية في طلب النفط العالمي إلى نحو 48 في المائة، بعدما كانت تمثل 63 في المائة عام 2000. ارتفع إجمالي طلب أمريكا الشمالية بأقل من مليوني برميل منذ بداية الألفية. حدث معظم النمو في الولايات المتحدة، وارتفع قليلا في كندا، لكنه تراجع بعض الشيء في المكسيك. في الضفة المقابلة من المحيط الأطلسي، انخفض استهلاك الدول الأوروبية الأعضاء في المنظمة بنحو 800 ألف برميل يوميا، كما تراجع استهلاك الدول الآسيوية الأعضاء في المنظمة بسبب تراجع استهلاك اليابان بأكثر من 1.5 مليون برميل يوميا خلال الفترة.
في المقابل، ارتفعت مساهمة الدول غير الأعضاء في المنظمة – باقي العالم أو العالم النامي - في الطلب النفطي العالمي، وارتفع حجمها من نحو 28 مليون برميل يوميا في بداية الألفية إلى ما يقارب 52 مليون برميل يوميا هذا العام، ناميا بنحو 86 في المائة خلال الفترة. حلت الصين على رأس الدول التي تضخم فيها استهلاك النفط، حيث ارتفع من 4.6 مليون برميل يوميا عام 2000 إلى 13.1 مليون برميل يوميا في 2019، مرتفعا 185 في المائة خلال الفترة. جاءت الهند في المركز الثاني في آسيا، حيث ارتفع استهلاكها بما يقل قليلا عن ثلاثة ملايين برميل يوميا خلال الفترة، مضاعفا مستواه بنحو مرة ونصف. نتج من النمو السريع لاستهلاك الصين والهند النفطي تضاعف أهميتهما للدول المصدرة للنفط، حيث تستوردان معظم استهلاكهما من الخارج. وحلت الصين مكان الولايات المتحدة أكبر مستورد للنفط في العالم، كما أزاحت الهند، اليابان، عن المركز الثاني آسيويا في استيراد واستهلاك النفط. ارتفع طلب باقي الدول الآسيوية - غير الأعضاء في المنظمة - في الفترة نفسها، ما دعم الاستهلاك العالمي وصعود الأسعار التي وصلت إلى قمتها عام 2008. إذا استمر نمو الاستهلاك الصيني على المنوال نفسه، فستصبح الصين أكبر مستهلك للنفط في العالم خلال فترة وجيزة تقل عن عقد من الزمن. أما الهند فما زال منحنى طلبها النفطي حادا، ما يعني مزيدا من النمو القوي خلال الأعوام المقبلة.
صعد استهلاك منطقة الشرق الأوسط من 4.4 مليون برميل في بداية الألفية إلى نحو 8.2 مليون برميل في عام 2019. وتقف المملكة والدول الخليجية الأخرى على رأس الدول المستهلكة للنفط في المنطقة، التي ازداد معدل استهلاكها اليومي بأكثر من 100 في المائة خلال الفترة. يشهد عديد من دول المنطقة حالة من عدم الاستقرار تثبط النمو الاقتصادي وتخفض الطلب على النفط ومنتجاته، وفي حال عودة الاستقرار إلى المنطقة، سينتعش الطلب على النفط، ما سيوفر رافدا إضافيا لنمو الطلب العالمي النفطي خلال الأعوام المقبلة.
ازداد استهلاك القارة الإفريقية من نحو 2.4 مليون برميل يوميا في بداية الألفية إلى نحو 4.4 مليون برميل يوميا في 2019. أما في الأعوام المقبلة، فإن هناك احتمالا كبيرا في تصاعد مساهمة القارة الإفريقية في نمو الطلب النفطي، على الرغم من أنها تمثل حاليا أهمية محدودة منه تبلغ 4.4 في المائة. وسيقود تحسن الظروف المعيشية المتوقع للقارة إلى نمو قوي في طلبها النفطي. أما غرب القارة الإفريقية، فحقق الطلب النفطي نموا جيدا خلال الفترة، وهو مصدر آخر من مصادر النمو المستقبلي.
تلعب تغيرات معدلات الطلب العالمي على النفط دورا كبيرا في تماسك أسعار النفط وتحسن أسعاره أو تراجعها. فعند تغير الطلب بنسب أعلى قليلا من تغير الإنتاج، تتغير الأسعار بعدة أضعاف تلك النسبة. وتوضح بيانات الطلب خلال العقدين الماضيين، تجمد الطلب النفطي في معظم الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية بسبب وصولها إلى مرحلة الاستقرار السكاني، ومستويات معيشة مرتفعة منذ فترة من الزمن، وتبنيها سياسات الحد من نمو استهلاك النفط. أما العالم النامي، الذي يشمل الصين والهند، فهو الداعم الحقيقي والكلي لتماسك أسعار النفط وتحسنها خلال العقدين الماضيين، حيث يتركز فيه أغلب سكان العالم، ويشهد معدلات نمو سكاني متوالية، وفي الوقت نفسه ما زال أمام كثير من دوله مجالات واسعة لرفع مستويات الدخل والمعيشة، ما سيوفر عوامل قوية ترفع الطلب على النفط، تجلب الاستقرار لأسعاره، وتحقق مكاسب إضافية لمصدريه في العقدين المقبلين.

إنشرها