Author

بائع الكشري

|

أعرف أن الناس يفضلون القصص الكبيرة ذات التأثير، لكن دائما ثمة قصص مختبئة في زوايا المجتمع تحكي لنا وتقول مكنونات كانت غائبة. أما بائع الكشري فهو مواطن امتلك مطعما صغيرا في جنبات عاصمتنا الغالية، يترزق منه. في أيام رخائه كان جزلا، فقد وضع آنئذ يافطة تقول، "إن كنت لا تملك مالا فوجبتك مجانا"، ثم جار عليه الزمان، ووجد أن مطعمه تعطلت أعماله لأسباب، لعل من أبرزها أن الوصول للمطعم أصبح صعبا، فأبعد ذلك الزبائن عنه، وفي غمرة من الزمن وجد نفسه مديونا مهددا. ضاقت به الدنيا، لكنه قرر ألا خيار له سوى الاستمرار فاستمر، رغم أن حصيلة البيع لن تكفي لسد الالتزامات القائمة والجارية، فكيف بالمتراكمة؟ ثم اكتشف الطيبون أمره، فقرروا أن يزوروه في مطعمه. لكن زيارتهم لم تكن ككل الزيارات، إذ إن الزيارات المعتادة أن تأتي جماعة من عشرة أشخاص مثلا، لتتيح فرصة لبائع الكشري أن يبيع عشرة صحون، أما هؤلاء الطيبون فقد تجاوزوا ذلك بكثير، تواعدوا رغم تباعد المسافات بينهم أن يقصدوا جميعا المطعم في وقت واحد، وأن يعلنوا ذلك لمن يرغب في أن يرافقهم ويشاركهم "أكلة الكشري". حتى الآن الأمر عادي، إلا أن مجموعة الطيبين هؤلاء لم تكن عادية، فهم مجموعة مما يعرف حاليا بـ"المؤثرين"، وبعضهم من الوزن الثقيل فعلا، ممن تمتع بدرجة عالية من المصداقية في القضايا التي يتناولها طرحا ورصانة. وهكذا، فلإعلانهم تأثير، بأن تناقلت نبضات "النت" دعوتهم والموعد الذي ضربوه حتى عمت بلادنا الرحبة، فقدم "أكلة الكشري" بحماس من كل حدب وصوب، ولم يكن الطيبون من المؤثرين أقل حماسا، فمنهم من ارتحل من بعيد. وكانت النتيجة أن ازدحم المطعم بالزبائن، وحظي بتغطياتهم المبدعة في وسائل التواصل الاجتماعي على تنوعها. لقد أكسبت هذه الخطوة صاحب المطعم المنكوب أملا جديدا، عندما ذهبت بقصته ومعاناته، التي كانت منسية، إلى الآفاق البعيدة، ومنحته ميزة جديدة بأنه مطعم المؤثرين، ومطعم المواطن المكافح صلب العزيمة. بل وفتحت له آفاقا وفرصا لم تكن تخطر على باله، فمثلا عرض عليه أحد البنوك الكبيرة مساحة ليفتتح فرعا لمطعمه في ناحية أخرى من المدينة.
نتحدث اليوم عن صغار المستثمرين، في المنشآت متناهية الصغر، وكيف أن تعرضها لنكسة قد لا يكون نهاية المطاف لها، إن وجدت من ينتشلها من الحلقة المفرغة. في حالة مطعم الكشري انتشله المؤثرون، فمن ينتشل من ما برح يكاد دورات الحلقة المفرغة رغم كفاحه وصلابته؟

إنشرها