Author

الحرب التجارية وضبابية الطريق

|


رغم التحذيرات التي تنطلق من البنك الدولي تارة وصندوق النقد الدولي تارة أخرى عن الآثار الخطيرة للحرب التجارية إلا أن هذه التحذيرات لا تجد حتى الآن آذانا صاغية، وكما يبدو فإنها جعلت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، ترفع صوتها أيضا بمزيد من الضغوط من أجل خفض وتيرة التوترات التجارية التي إن بدت مجرد علاقة متوترة بين دولتين إلا أن تأثيرها امتد فعلا إلى سلاسل الإمداد حول العالم، لكن التقرير الذي أصدرته "أونكتاد" أخيرا بعنوان "التجارة وآثار التعريفات الأمريكية على الصين في تحويل التجارة"، يذهب بعيدا إلى فهم الحالة الاقتصادية الراهنة.
ففي تقرير آخر لا يقل أهمية بشأن التجارة البحرية العالمية أشار إلى أنها فقدت زخمها وتراجعت إلى أقل من المتوسطات التاريخية البالغة 3.0 في المائة و4.1 في المائة المسجلة عام 2017. كما أن التوقعات لا تزال صعبة نظرا لاستمرار تباطؤ نمو التجارة العالمية للبضائع بمعدل غير متوقع. وإذا كانت الولايات المتحدة تصر على المضي قدما في سياسة التعريفات الجمركية بدعوى تشجيع المستهلكين على شراء البضائع الأمريكية بدلا من السلع المستوردة، وذلك بجعل تلك السلع المستوردة أغلى ثمنا، حيث فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية على نحو 250 مليار دولار من البضائع الصينية، إلا أن الدراسة التي أجرتها "أونكتاد" تشير إلى أن ما حصل فعلا هو العكس، فالمتضرر الأساس من هذه التعريفات كان المستهلك الأمريكي الذي عليه أن يتحمل ارتفاع الأسعار نتيجة إضافة قيمة هذه التعريفات على الأسعار.
ففي الوقت نفسه لم تتحسن قدرات الاقتصاد الأمريكي بل حصل تحول واسع في التجارة العالمية وهذا ما تعانيه الصين من هذه التجربة القاسية، فقد أثبتت الدراسة من خلال تحليلات لبيانات الواردات الأمريكية أن تحولا واسعا إلى دول أخرى مثل تايوان والمكسيك وروسيا لتعويض تراجع الصادرات الصينية، فبينما تخسر الصين، تكسب اقتصادات أخرى وليس الاقتصاد الأمريكي، فما حصل فعلا هو أن التعريفات الأمريكية على الصين قد صنعت لاعبين آخرين أكثر قدرة على المنافسة في السوق الأمريكية وهو ما أدى إلى تحويل التجارة، وليس دعم الصناعة المحلية، فبينما كانت الصين تخسر 35 مليار دولار، كما أشار تقرير مؤسسة أونكتاد، فقد تم تحويل نحو 21 مليار دولار "أو 63 في المائة" إلى بلدان أخرى، بل إن التقرير صرح بما هو أكثر بشأن زيادة قدرات الصين على المنافسة التي بدأت تظهر على شكل تحمل الشركات المصدرة للتعريفات الجمركية وعدم نقلها للمستهلك الأمريكي للحفاظ على الحصة في السوق.
هكذا تبدو الصورة كما يرسمها تقرير المؤسسة الدولية للتجارة العالمية، فالمستهلك الأمريكي يعاني ارتفاع الأسعار والمصنع الصيني يعاني أيضا خسارة الحصص أو تحمل خسائر في التعريفات، لكن شيئا من الأهداف الأساسية التي تم إطلاق هذه الحرب التجارية بين البلدين لم يتحقق، وهو ما يؤكد أن معالجة مشكلات الاقتصاد لن تتم من خلال فرض الضرائب والرسوم التجارية بل من خلال العمل الأكثر فعالية لجعل النمو الاقتصادي مستداما، فالإدارة الأمريكية لم تزد غير تحويل هذا النزاع إلى مصلحة الاقتصاد الأمريكي، ولم تستطع الصين كذلك، ورغم الضرر الواسع والظاهر على الاقتصاد العالمي إلا أن المضي قدما في هذه التعريفات يبدو اليوم أقل احتمالا، لكن التراجع عنها هو الذي يبدو أقل صعوبة والتوقعات بهذا الشأن تبدو غامضة.

إنشرها