الأمن الدوائي «1»

مفهوم الأمن الدوائي، مفهوم واسع يشمل عدة معطيات لا بد من إمعان النظر فيها، فالأمن الدوائي لا يقل بحال من الأحوال عن الأمن الغذائي، فلا طعم للحياة دون صحة، والصحة لا تتحقق إلا بتوافر عنصري الغذاء والدواء، وهما مكملان بعضهما بعضا.. فلو نظرنا إلى تعريف مصطلح الأمن الدوائي للدول من الناحية العلمية، نجد أنه باختصار يتمثل في قدرة الدولة على تأمين كمية كافية من الأدوية الأساسية، التي يحتاج إليها المجتمع بجميع شرائحه، سواء في الأوقات العادية أو في أوقات الأزمات، ويندرج تحت هذا المفهوم أيضا توفير الأدوية واللقاحات اللذين يحملان صفة الديمومة.. كما يشمل توفير المواد الأولية اللازمة لدوران عجلة الصناعة الدوائية المحلية.. وعند النظر إلى واقع الصناعة الدوائية في المملكة نجد أنه، على الرغم من إيجابية وجود عديد من مصانع الأدوية المرخص لها في مختلف مناطق المملكة، التي تستخدم أحدث الأجهزة والمعدات فيما تنتجه من أدوية ولقاحات ومحاليل وخلافه، وتطبق أحدث وأرقى معايير التصنيع الجيد العالمية، إلا أنها ما زالت دون المستوى المطلوب فيما يخص المواد الأولية المستخدمة في التصنيع، إذ تعتمد اعتمادا كليا على الاستيراد من الخارج، لتغطية احتياجاتها من المواد الخام الأولية اللازمة لإدارة وتشغيل تلك المصانع.. كما أن أغلب تلك المصانع لم يعمل على استقطاب اليد العاملة من الشباب السعودي المؤهل، وإنما يعمد إلى استقدام الأيدي العاملة الرخيصة من عدة دول، وبالذات الدول الآسيوية.. وكذلك هناك نقطة جوهرية تفقد مصانعنا المحلية القدرة على المنافسة الشرسة عالميا في قطاع الدواء، وهي ضعف عناصر البحث والتطوير، إذ إن جل ما ينتج من الأدوية في المصانع الوطنية يعتمد على تعبئة الكيماويات الدوائية المستوردة من الخارج، وهذا بلا شك أقرب إلى مفهوم صناعة التجميع أكثر من كونه صناعة تعتمد على الابتكار والجدية والتطوير، فكأننا قمنا بالتركيز على الامتداد الأفقي إلى مصانعنا الدوائية، لكنا أغفلنا الامتداد العمودي القائم كما أسلفت على ركيزتين أساسيتين، هما البحث والتطوير ويعلل المسؤولون في شركات الأدوية المحلية ذلك بأنها شركات مساهمة تتطلب الربح السريع الذي ينشده المساهمون دون الأخذ في الحسبان أن اكتشاف دواء واحد جديد قد يحقق أرباحا تفوق الدخل التقليدي لهذه الشركات بمئات إلّم يكن آلاف المرات.. صحيح أن اكتشاف دواء جديد يستغرق عدة أعوام ويكلف مئات الملايين من الريالات إلا أن العبرة بالخواتيم.