Author

بركان الوهم

|

قبل ثلاثة أعوام تقريبا عملت في مشروع صغير بدوام جزئي. كان المشروع يضم زميلين إضافة إلي، يملكان مهارات إبداعية لا توصف. بوسعهما إنجاز الكثير في وقت قصير. لكنني فوجئت في أحد الأيام بزميلي يطلب موعدا معي خارج المكتب. بعث لي برسالة بعد منتصف الليل كتب فيها: "أخي عبدالله، أتطلع إلى أن نلتقي غدا للضرورة خارج المكتب. الوضع أصبح لا يطاق".
لم أحاول أن أستدرجه لأعرف تفاصيل الموضوع، لأن لغة الرسالة واضحة. زميلي غاضب ومنفعل جدا، وأي رسالة لاحقة مني تحمل استفهامات قد تفجر حمما بركانية لا أتمتع بالقدرة على مواجهتها في تلك اللحظات، فقد تقتلعني وتحرقني.
كتبت له ردا هادئا: "يسعدني أن نتغدى معا غدا في المطعم الذي تراه مناسبا". أجاب بسرعة: "تم". جاء الغد والتقينا على طاولة الغداء. وقبل أن يصل الطعام وصل غضب زميلي. انفجر دون مقدمات. هاجم زميلنا المشترك. وصفه بالأنانية وأنه لا يستطيع العمل مع مجموعة، وأن له موقفا سلبيا منه، لأنه يحمل درجة علمية أعلى.
يقول: "يعاملني باستعلاء. يعتقد أن الدرجة العلمية تجعله أفضل مني. أكاد أرى من عينيه عدم تقبله لي. أرجو قبول انسحابي من المشروع".
صعقت تماما عندما سمعت كلام زميلي عن زميله؛ لأنه عار من الصحة تماما، ومبني على أوهام وليس حقائق كما أدرك. فلدي إثباتات تنفي صحة مزاعمه، أوردتها دون ترتيب على الفور. نقلت له حديث الزميل الذي هاجمه عنه بحذافيره. أخبرته أن هذا الزميل رشحه للحصول على نسبة أعلى منا من أرباح المشروع، نظرا إلى كفاءته والجهد الذي يبذله وتميزه، فقد شاركته حجم تقدير زميله له، بينما أتى شاكيا منه، فقد سبق أن صارحني بسؤال نبيل: "كيف نكافئ زميلنا بعد نهاية المشروع؟".
صدم الشاكي من المعلومات التي أوردتها واعتذر عن إزعاجي.
آمنت أكثر أنه ليس الوحيد بيننا الذي تنهبه الظنون، وقراءة نوايا الناس بمجرد نظرة أو موقف.
لقد كان درسا لي بأن أطرد أي وهم من رأسي تجاه أي زميل، وأن أتعامل مع حقائق وإثباتات على أرض الواقع.
خسر كثير من أصحابنا فرصا بسبب أوهام وظنون وهواجيس. تعامل يا صديقي مع الحقيقة الصرفة لا التخرصات والتكهنات.
وتذكر:
"لا تجعل رأسك (مختبرا) كل همه الانشغال بـ(تحليل) نوايا الناس".

اخر مقالات الكاتب

إنشرها