Author

جودة الحوكمة داخل القطاع العام

|

يأتي المنتدى السنوي الأول للمراجعة الداخلية بعنوان "دور المراجعة الداخلية في تعزيز آليات الرقابة والحوكمة في القطاع العام"، ويشرف على تنظيمه الديوان العام للمحاسبة في أولى المناسبات التي تحمل هذا الاسم الجديد بعد أن كان يسمى ديوان المراقبة العام، والمنتدى يستهدف أساسا المختصين في الجهات الحكومية من أجل المناقشة حول القضايا التي تهم المراجعة الداخلية وتخدم أهدافها لذا جاء المنتدى بمشاركة أكثر من 200 مختص في الجهات الحكومية.
ومن اللافت أن يتم هذا اللقاء في مقر الديوان الرئيس في الرياض، وهذا يشير بطبيعة الحال إلى العلاقة الوطيدة بين مفاهيم المراجعة الداخلية وتلك المهام الرئيسة التي يؤديها الديوان العام للمحاسبة، فالأخير يعمل على تحقيق المراجعة المالية التي تهتم أساسا بأعمال الميزانية العامة في الجهات التي تخضع لرقابة الديوان، وما تسمى بالرقابة اللائقة للصرف، وأيضا يقوم بمراجعة الأداء ومراجعة مدى الالتزام وهذه هي المهام الرئيسة نفسها التي تقوم بها إدارات المراجعة الداخلية وتهتم بها، وهذا يشبه إلى حد ما المستوى الاقتصادي الكلي والجزئي على أساس أن الجزئي هو ما تقوم بها إدارات المراجعة الداخلية في الجهات، والكلي ما يقوم به الديوان، ولهذا فإن التناسق في المهام أصبح ضرورة بل أصبحت الأسئلة أكثر تعقيدا بشأن التكامل بينهما، لهذا فإن المنتدى يأخذ بعدا ذا أهمية في تعميق العلاقة بين الديوان والإدارات، ومع ذلك تبقى الاختلافات موجودة بينهما ليس في مجرد المفهوم بل في الأدوات أيضا فالديوان العام للمحاسبة يعتمد في منهجيته على معايير المراجعة الصادرة عن الدولة المنظمة للأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة.
وتعمل إدارات المراجعة الداخلية على المعايير الصادرة من المعهد الدولي للمراجعين الداخليين، والفرق بين هذه المعايير هو الفرق بين الحوكمة على المستويين الجزئي والكلي، من هذه المسافة يمكن قراءة عنوان المنتدى الذي أكد عبارات الحوكمة في القطاع العام، ذلك أن تعريف المراجعة الداخلية وفقا للمعايير الصادرة عن المعهد الدولي يؤكد دور المراجعة الداخلية في ذلك حيث يشير صراحة إلى أنها تساعد المنشأة على تحقيق أهدافها من خلال طريقة منهجية منظمة لتقييم وتحسين فعالية عمليات إدارة المخاطر والرقابة والحوكمة، وقد يكون أهم النقاط التي يمكن الانتهاء إليها بعد لقاءات المنتدى هو الوصول إلى تلك الآليات التي من خلالها تستطيع المراجعة الداخلية في الجهات الحكومية تحسين فعالية عمليات الحوكمة، ذلك أن مفهوم الحوكمة نفسه في القطاع العام لم يزل هشا إلى حد بعيد ويحتاج إلى مزيد من العمل بشأنه.
ومن المؤكد أن نجاح المراجعة الداخلية بل بقاءها عند مستويات الطلب الحالية يرتبط أساسا بقدرتها على إضافة القيمة للقطاع العام ومؤسساته، ولهذا فإن الوضع التنظيمي للمراجعة الداخلية لم يزل غامضا في كثير من الجهات، وهذا لن يمكن العاملين في هذا القطاع من القيام بدورهم في تقويم الالتزام المالي والبرامجي والفعالية الاقتصادية والكفاءة، على أن هذا التقويم يتطلب الاستقلال والحياد المستمر.
ولهذا فإن وجود إطار للحوكمة الجيدة داخل المؤسسة الحكومية أمر لا بد منه لأنه بخلاف ذلك فإن مساحة واسعة من أعمال المراجع الداخلية ستختفي بينما يبقى محصورا في قضايا فحص أعمال الميزانية العامة والتأكد من الإجراءات قبل الصرف، هنا تلتقي الجداول والينابيع الصغيرة من المفاهيم لتصب في النهر الرئيس فإذا كان الديوان العام للمحاسبة يهتم بجميع القضايا من مالية (بعد الصرف) وأداء والتزام بينما إدارات المراجعة الداخلية محصورة في مهام مالية (قبل الصرف)، فأي اختصار أو اختزال لمفاهيم العمل عند إدارات المراجعة الداخلية فإنه سيؤثر في المصب الرئيس عند الديوان العام للمحاسبة.
هذا المنتدى يأتي في الطريق الصحيح من أجل الإصلاح من أعلى النبع، وتدعيم الهيكل الإداري والحوكمة في القطاع العام بما يمكن من التحقق ومراقبة البرامج، وفحص تقارير الأداء المالي، وتحقيق المساءلة العامة، وكل هذا في مجمله يقدم مزيدا من الدعم لكشف ومحاربة الفساد العام.

إنشرها