Author

هل تتشكل الهوية؟ وكيف؟

|

يتساءل البعض عن الهوية ما هي؟ وكيف تتشكل لدى الأفراد؟ والدور الذي تلعبه في حياة الفرد، والمجتمع بشكل عام؟ ويمكن القول إن الهوية تعني مجموع السمات، والخصائص التي يتسم بها الفرد، ويعبر من خلالها، وبها عن فرديته، وانتمائه الوطني، والاجتماعي، والثقافي، بسلوكه الظاهر، ومشاعره التي يعبر عنها لفظيا، ويترجمها عمليا. الفردية لا تعني الاختلاف الكلي عن الآخرين، بل إنه يشترك مع أبناء مجتمعه في كثير من الخصائص، مع وجود خصائص أخرى تميزه عن غيره، إلا أنها لا تبعده عن المجموع العام، أو الكلي في المجتمع.
الخصائص المشتركة بين أفراد المجتمع لم تأت من فراغ، بل اكتسبها الأفراد من قنوات، وأوعية التشكيل المعتبرة في المجتمع، كالمدارس، والمساجد، والنوادي، ووسائل الإعلام، والقصص، والأساطير التي يتلقاها أبناء المجتمع داخل المنزل، أو من الكتب التي تقع بين أيديهم، والبرامج، والأفلام، وهذه المصادر تشكل لنا ما يمكن تسميته بالهوية المجتمعية التي يفتخر بها أبناء الجميع، ويدافعون عنها، فيما لو تجرأ أحد على المساس بها، كما يحرص الجميع على نقلها للأبناء ليتم توارثها من جيل إلى آخر، أما الهوية الفردية فجزء منها وراثي جيني إلا أن معظمها مكتسب بفعل التربية النوعية التي يتلقاها الفرد، وتميزه عن غيره؛ ليظهر هذا التميز في بعض المواقف، كأن يحمل اتجاهات نحو قضية من القضايا مغايرة لاتجاهات عموم الناس في مجتمعه، حتى إن الاتجاه يصل إلى مرحلة التصلب، والتجذر، مميزا للفرد في هذا الموضوع في رأيه، وسلوكه، ومواقفه التي يتبناها.
قيمة الهوية في شقيها الفردي، والاجتماعي تتمثل في ترسيخ، وتجذير الانتماء للوطن الذي يعيش على أرضه الجميع، كما أن الهوية الجمعية تستثير الدافعية للإنتاج، وجودته، وتستثير الحماس حال حدوث مكروه -لا سمح الله- كحرب، واعتداء على الوطن، أو كارثة طبيعية، ولذا نجد أن الأناشيد الوطنية، والقصائد تأخذ طابعا وطنيا يحرك الهوية، ويستعيدها لتمتزج الهوية الفردية بالهوية الجمعية، ويشعر كل فرد كما لو أنه هو الذي يقع عليه الخطر، والتهديد. التعاطف بين أفراد المجتمع يمثل إحدى فوائد الهوية الاجتماعية التي تظهر بشكل عفوي أوقات الأزمات والطوارئ.
يقع بين الهوية الفردية، والاجتماعية ما يمكن تسميته بالهوية الفئوية التي تحاول بعض الفئات العرقية، والمذهبية، والإقليمية، والطائفية إحياءها، واستثمارها، وهذا النوع من الهوية يظهر في الأوطان التي تتشكل من فئات على شكل أقليات داخل المجتمع الكبير، وتظهر الهوية الفئوية في حال وقوع ظلم عليها، أو الشعور الخاطئ بذلك، أو عندما يحاول البعض استثمار الهوية الفئوية لتحقيق مكاسب خاصة، وهذا ما يظهر جليا في بعض الأوطان، حيث يعزف البعض على وتر الانتماء الفئوي، بل إنه خلال الأعوام الماضية تم الاستثمار السياسي للهويات الفئوية تحت شعار حماية الأقليات ما أوجد أوضاعا غير مستقرة في بعض الأوطان؛ نتيجة بعث الموروث الفئوي الذي يمثل ركيزة الهوية الخاصة التي تميز فئة عن المجتمع العام.
هل يمكن إعادة تشكيل الهوية؟ الهوية لا يمكن اعتبارها جامدة، وإنما هي قابلة للتشكل، والتعديل، حسب الظروف التي يمر بها الفرد، أو المجتمع، فالمستوى التعليمي، والثقافي للفرد، وكذا التحولات الاقتصادية لها دور في تشكيل الهوية، فالشاب الذي يتخرج من المرحلة الثانوية ويلتحق بالسلك العسكري تبدأ تتشكل لديه هوية الإنسان العسكري المختلفة إلى حد ما عن هوية الإنسان المدني. كما أن التعرض لمشاهد، وفعاليات ثقافية، وترفيهية يسهم بشكل، أو بآخر في التأثير في الهوية تعديلا، أو تشويها، وضبابية، حتى يمر الفرد بحالة صراع بين الهوية الأصلية المتجذرة، وتلك العناصر التي يرى أنها تغزوه، وتؤثر في هويته، وهذا بالطبع يتأثر بالعمر، وصلابة، وجودة تأسيس الهوية فذوو الأعمار الصغيرة، والخبرة الأقل يتأثرون بشكل أكبر من غيرهم، وتتعرض هويتهم لإعادة التشكيل، إن لم يكن تغييرا كليا، ولعل من المناسب الإشارة إلى صراع الأجيال إذ هو شكل من أشكال تغيير الهوية وإن لم يكن بكاملها فما يقبله الآباء ويستسيغونه يرفضه الشباب، والعكس صحيح.

إنشرها