Author

وظائف المستقبل

|

حدث في زمان مضى أن بدأ الناس زراعة الخضار بدلا عن الحبوب. لم يكن هناك من يدلهم على المردود الاقتصادي لإنتاج نوع معين من الخضار، فأصبح الناس يتخرصون ويقررون بطريقة بدائية. الطريقة باختصار هي إنتاج ما يحقق المبيعات العالية. المشكلة أن الجميع زرعوا الخضار نفسها في العام المقبل، لتتكدس الخضار في الأسواق وتباع بأبخس الأثمان، بل إن كثيرين لم يجدوا من يشتري بضاعتهم، فأصبحوا يرمونها في مدافن النفايات ليتخلصوا منها.

أذكر أن الأذكياء من رجال الأعمال قرروا الدخول في صناعة صلصة الطماطم، ليعيشوا على مأساة المزارع، الذي لم يكن يتخذ القرار بناء على أي معطيات.
يبدو أن تحديد ما ستحتاج إليه السوق من الوظائف في العقود المقبلة، سيكون أقرب لتوقعات أعوام مضت، كانت عمليات التحديد مبنية على أمثلة قريبة من قرارات سوق الخضار السابقة، إلا أنها كانت تكتب على شكل إحصائيات منمقة وصادرة عن مراكز بحثية مرموقة. تحدثت الدراسات عن الحاجة الماسة إلى تقنية المعلومات وهندسة الحاسب والكيمياء الحيوية وغيرها من التخصصات، التي كانت في مرحلة الولادة حينئذ ثم بلغت الفطام بسرعة خيالية. ليتحول كل طفل إلى أخصائي تقنية معلومات من خلال بساطة التطبيقات التي لا يزال فيها سوق محدودة اليوم.
أذكر أننا كنا نقرر التخصص الذي يناسب الأبناء عند الدخول للجامعة بهذه الوسيلة البسيطة، لكننا نصل في النهاية إلى أعداد أكبر من العاطلين عن العمل، إما لتشبع التخصص بسبب توجه الأغلبية نحوه، وإما لخروج التخصص من مجالات الاهتمام.
السؤال المهم اليوم هو: هل تصدق التوقعات التي نقرأها اليوم عن أهمية تخصصات في مجالات مثل التسويق والذكاء الاصطناعي والتحليل المنطقي والترجمة أم أننا سنكون أمام عالم مختلف تماما خلال العشرة أعوام المقبلة؟
أغلب الظن أن هذه التخصصات سيتطور العلم فيها ليصل إلى حالة من التشبع والأتمتة، لنفقد تلك الميزة التي تعد مهمة ونادرة اليوم، لنتحول إلى تخصصات جديدة.
السؤال الأهم هو، لماذا لم تفقد تخصصات مثل الطب والقانون أهميتها مع التطور الهائل الذي نشاهده، قد يكون السبب أننا في مراحل مبكرة من التغيير الشامل الذي قد يطال كل الوظائف وتتحول سوق العمل أشبه بمنظومة حاسوبية الإنسان فيها مجرد متفرج.

إنشرها