Author

تدوير علب الألمنيوم وقوارير البلاستيك

|


ينتابنا شعور بالذنب عندما نقوم بين الحين والآخر بشراء مشروب معبأ في عبوة غير مستدامة، لكن عندما نواجه لغزا محيرا يتمثل في حتمية الاختيار بين قارورة بلاستيكية أو علبة ألمنيوم فأيهما يجب أن نفضل وأيهما هو الأكثر صداقة للبيئة؟
يعود تاريخ البلاستيك إلى أوائل القرن الـ20 عندما تم اختراع أول مادة بلاستيكية اصطناعية بالكامل كبديل لصمغ اللك المستخدم في العزل الإلكتروني. وخلال الحرب العالمية الثانية زاد إنتاج البلاستيك بنسبة 300 في المائة في الولايات المتحدة لأنه كان يستخدم في كل شيء، من النايلون في الحبال والمظلات إلى الزجاج الشبكي في نوافذ الطائرات. وبعد الحرب انطلق الاستخدام التجاري للبلاستيك تماما واندمج في كل المنتجات والأسواق في الحياة الحديثة تقريبا. وبحلول الستينيات تم تسجيل أول ظهور للتلوث البلاستيكي في المحيطات.
اليوم تقدر وكالة حماية البيئة الأمريكية أن 80 في المائة من الحطام البحري الموجود في محيطاتنا نشأ كقمامة أرضية لم تتم إعادة تدويرها. وتتكون أكثر من 90 في المائة من المواد البلاستيكية الموجودة في المحيط من المواد البلاستيكية الدقيقة، التي عادة ما ينتهي بها المطاف في جوف الحيوانات المائية وغالبا ما تتسبب في قتلها إما بالاختناق أو بالتسمم. ووجدت الجمعية الجغرافية الوطنية الأمريكية أن 91 في المائة من البلاستيك في العالم لم يعد تدويره في عام 2018. وهذا الإحصاء المقلق يعني أن كل النفايات البلاستيكية عدا 9 في المائة منها ينتهي بها المطاف إما في مدافن النفايات أو في المحيط.
ويتم تصنيع القوارير البلاستيكية من النفط أو "الزيت الخام". وعادة ما تكون القوارير البلاستيكية رقيقة جدا حيث لا يمكن إعادة تدويرها إلى قوارير بلاستيكية جديدة، لكن يمكن تحويلها إلى ألياف تصلح لتصنيع منتجات مثل السجاد والملابس وأكياس النوم. وفي عام 2018 بلغ معدل إعادة تدوير القوارير البلاستيكية أكثر من 29 في المائة.
أما استخدام علب الألمنيوم فقد ظهر أول مرة لعامة الناس عام 1959 من قبل إحدى شركات المشروبات المعبأة. وبعد نحو خمسة أعوام أدخلت إحدى شركات المشروبات الغازية الألمنيوم إلى عالم المشروبات الغازية، ومنذ ذلك الحين تم استخدامه في تعبئة منتجات عديدة من مشروبات الطاقة والمياه المكربنة إلى المشروبات الغازية وغيرها. ووفر الألمنيوم بديلا سعره معقول للصلب إضافة إلى سطح أكثر ملاءمة لطباعة النصوص والرسومات الخاصة بمختلف الشركات. ويمكن إعادة تدوير علب الألمنيوم إلى علب جديدة بواسطة عملية إعادة تدوير حقيقية "مغلقة الحلقة". وفي عام 2018 بلغ معدل إعادة تدوير علب الألمنيوم 49.8 في المائة.
وتستفيد السوائل الموجودة داخل علب الألمنيوم من طبيعته أيضا، نظرا لأنه يحجب الضوء والرطوبة والأكسجين ويمنعها من الوصول إلى المشروبات المعبأة. وهذا الأمر يجعل المشروبات أكثر استدامة لأنها تتمتع بفترة صلاحية أطول. ولم يزد مرور الزمن وزن عبوات الألمنيوم الخفيفة إلا نقصانا، حيث بلغ وزن العلب الأولى من الألمنيوم نحو ثلاث أوقيات لكل علبة، بينما تزن العلبة الحديثة أقل من نصف أوقية. وعادة ما تعلي برامج إعادة التدوير من قيمة الألمنيوم مقارنة بالبلاستيك أو الزجاج، حيث تبلغ قيمة المواد القابلة لإعادة التدوير من الألمنيوم 1317 دولارا للطن الواحد مقابل 299 دولارا لطن البلاستيك. وهذا يسمح ببقاء مزيد من برامج إعادة التدوير عاملة وناجحة. وقد وجدت إحدى الشركات العالمية المختصة في الاستشارات الإدارية والتقنية في دراسة أجريت عام 2016 أن انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بنقل وتبريد الألمنيوم تقل بنسبة 7 إلى 21 في المائة مقارنة بالبلاستيك وبنسبة 35 إلى 49 في المائة مقارنة بالزجاج.
وعندما يتعلق الأمر بكمية المحتوى المعاد تدويره الموجود في علب الألمنيوم مقارنة بالقوارير البلاستيكية، يكون للألمنيوم اليد العليا أيضا. في عام 2016 وجدت وكالة حماية البيئة الأمريكية أن علب الألمنيوم تحتوي على ثلاثة أضعاف كمية المحتوى المعاد تدويره الموجود في البلاستيك، كما قدرت أن 73 في المائة من مكونات علب الألمنيوم في المتوسط هي مواد معاد تدويرها.
ولا يظهر الألمنيوم مستقلا في الطبيعة ويتألف بشكل أساس من صخور البوكسيت التي توجد بكثرة في أستراليا والهند والبرازيل. ويتم جمع البوكسيت من خلال التعدين المكشوف الذي يتضمن عادة نقل أو تجريف كميات كبيرة من الصخور النباتية والسطحية. ويؤثر هذا النوع من التعدين سلبا في النظم البيئية ويؤدي إلى تلوث الهواء والماء، ما يمكن أن يؤدي إلى مشكلات صحية لمختلف أشكال الحياة البرية وللبشر أيضا، ناهيك عن أن الجمع بين التحليل الكهربائي والمعالجة الكيماوية لتحويل البوكسيت إلى الألمنيوم التقليدي يتطلب قدرا كبيرا من الحرارة والطاقة. ومع ذلك فإن جمعية الألمنيوم تؤكد أن الحفاظ على الأراضي أصبح محورا مهما لمختلف شركات تعدين البوكسيت، ومن ثم يتم الآن تخزين التربة السطحية المجرفة من الموقع لإعادة تثبيتها بعد الانتهاء من أعمال التعدين، لذلك يتم إرجاع نحو 80 في المائة من الأراضي المجرفة بحثا عن البوكسيت إلى نظامها البيئي الأصلي.
فإذا أردت التأكد من أنك لا تسهم في تلوث البيئة بالبلاستيك أو بالألمنيوم يجب عليك دائما اصطحاب زجاجة ماء قابلة لإعادة الاستخدام قبل الخروج وملؤها بالماء أو الصودا أو العصير أو بما تريد.

إنشرها