Author

نظرية الارتواء

|

عملت قبل عدة سنوات في أحد المشاريع، وكانت لدينا حاجة إلى التعاقد مع شركة لإدارة أحد أجزاء المشروع.
ووفق الإجراءات، وقع الاختيار على شركة معينة. ولكن الصدمة التي فاجأتنا أن مدير ومالك الشركة الخاصة كان يتعامل معنا بطريقة فظة. كلما طلبنا منه شيئا أحالنا إلى العقد، ونظل ساعات طويلة نتجادل كي نصل إلى حل وسط، وفي النهاية يرفض الاجتماع، ويطلب كل شيء عبر خطابات رسمية.
فاوضناه لاستخدام الإيميل نظرا لضيق الوقت وطبيعة المشروع، فكان يرفض عادا المراسلات الإلكترونية غير رسمية. استشرنا محاميا فدعم موقفنا ونقض كلام صاحب الشركة، ولكن لم يكن لدينا وقت لنهدره في المحاكم. رضخنا لطلباته المزعجة والمعقدة، وبدلا من أن يكون عونا لنا بات عبئا علينا.
انتهى المشروع وأقمنا احتفالا؛ ليس بمناسبة إنجاز المشروع، بل لأننا تخلصنا من هذه الشركة.
لقد كان العمل مع تلك الشركة وتحديدا صاحبها، مثار سخط جميع أفراد المشروع. اتفقنا على كتابة تقرير دقيق يصف الظروف الصعبة التي رزحنا تحت وطأتها بسبب سلوكيات مدير الشركة.
فقد ازدادت تحديات المشروع تحديا إضافيا استوردناه، فشكل حملا ثقيلا وهما كبيرا جثم على صدورنا.
رصدنا كل المخالفات التي وقع فيها، والتي أسفرت عن تأخير وأخطاء.
أدى التقرير إلى إيقاف التعامل مع الشركة سابقة الذكر، والسبب الرئيس لذلك يعود إلى حرص مديرها على جني أكبر قدر من الأرباح في عقده الحالي، دون إدراك الأبعاد الأخرى.
وأهم هذه الأبعاد هو عدم التفكير للمدى البعيد.
مبدأ "خذ فطير وطير" أي فكر في لحظتك الحالية قد يمنحك شبعا لحظيا، لكن الارتواء الحقيقي لا يتم إلا عندما تفكر في عمل مستدام، وهذا يكفله الحرص على العلاقة والتفاعل الإيجابي.
فتخيل يا صديقي لو أن مدير هذه الشركة تعامل فقط بمرونة. استقبل الأفكار بترحاب. استمع بفاعلية. كيف كانت ستؤول الأمور؟ قطعا كان قد أصبح شريكا استراتيجيا لنا وليس مقاولا عابرا.
قد تكسب ١٠٠ ألف من مشروع، لكن اكسب ٧٠ ألفا فقط، واكسب ملايين بعدها. فبدلا من أن تجني ١٠٠ ألف ستجني أضعافا مضاعفة.
فكر بطريقة الورد من خلال نظرية الارتواء. ازرع بذرة واسقها بعناية يوميا، حتى تهديك سلال ورد عطر يمتزج بروحك، وذلك أفضل من وردة تنزعها وتستنشقها، ثم تذبل وتموت يتيمة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها