Author

العلم والتغيرات الاجتماعية

|

لا أحد ينكر حقيقة الدور الفائق الذي تحدثه العلوم بجميع أنواعها في تغيير المجتمعات في المجالات المادية، والمعنوية، ولو قدر للإنسان تسجيل المراحل التي مر بها منذ النشأة الأولى صوتا وصورة لاكتشف التحولات الهائلة التي مر بها اقتصادا، وسكنا، وتنظيما لمدنه ووسائل نقل، واتصالات، ولأصيب بالذهول من التغيرات الشديدة التي مرت بها المجتمعات الإنسانية، ووصل إلى حد الصدمة.
الانبهار يزول حين نربط التغيرات بالعلم والمراحل التي مر بها حتى تشكل تراثا ضخما من النظريات، والقوانين الطبيعية والإنسانية، والمعارف، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نظرية النسبية، وقانون الجاذبية أحدثا انقلابا قويا في نمو، وتطور البشرية، وانتقالها من مرحلة إلى أخرى، بل من نمط حياة إلى نمط آخر، إن لم تكن أنماطا شتى أبرز ما يميزها التباين والاختلاف، بدلا من التشابه الذي تغلب عليه البدائية في مراحل سابقة من حياة البشرية على الأرض.
بساطة الحياة في السابق؛ كانت نتيجة حتمية لمحدودية الموارد المتوافرة لدى الناس ما انعكس على نمط عيشهم، وأثاثهم، ولباسهم، ومساكنهم، ووسائل مواصلاتهم المتمثلة في الدواب التي لم تكن من صناعاتهم، ومنتجاتهم، بل خلق من مخلوقات الله، لكن بالعلم، وبناء العقول في المدارس، والجامعات تمكن الإنسان من تسخير المواد الطبيعية من مياه، ورياح، ومعادن؛ لإنتاج عناصر حياة جديدة تم اختبارها في المختبرات، والمعامل، حتى وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه في الوقت الراهن من تغير، وتحول يصل إلى مرحلة التعقيد في أقصى تجلياته في الدول التي ميكنت حياتها في معظم الأشياء، إن لم يكن كلها، حتى وصل الأمر بنا في الوقت الراهن إلى الاكتفاء بالروبوت ليحل محل الإنسان في بعض الأدوار، والوظائف.
هل التقدم الصناعي والتقني يؤثران في سلوك الانسان، وتصرفاته، أو بمعنى آخر يؤثر في نوع القيم التي يكتسبها وكيف؟ يطرح هذا السؤال بكثرة من قبل المفكرين، والمثقفين، ومختصي العلوم الإنسانية، والاجتماعية الذين تشغلهم التحولات الاجتماعية، ويسعون جاهدين في بحث أسبابها، ومراحل حدوثها، وإيقاع التحول، من حيث البطء، والسرعة، والحدة والضعف، وهذا الأمر لا يمكن كشفه، والتعرف عليه دون الإشارة إلى نظريات، وقوانين السلوك الإنساني التي أبدعتها العقول البشرية بالملاحظة، والتجريب، فقانون الاقتران الشرطي، وقانون المحاكاة، وتقمص الشخصية كلها، وغيرها من القوانين تمثل مفاتيح تم توظيفها من قبل المهتمين والمستفيدين من التغيرات، إن لم تكن التحولات الاجتماعية لهندسة السلوك البشري وتعديله، وتوجيهه بما يحقق الأهداف.
الناس ليسوا سواء في قابليتهم للتغير، خاصة فيما يمس القيم التي تربوا عليها، ولذا يوجد في كل المجتمعات البشرية بغض النظر عن مستواها المادي، والتقني ما يمكن تسميته قانون الصراع من أجل البقاء، إذ يوجد في المجتمع قوى تختلف في طريقة تفكيرها، وتصورها للحياة، فالبعض يعارض أي تغيير، بغض النظر عن طبيعته، وتأثيره الإيجابي، أو السلبي، فمبدأ التغيير مرفوض من قبله، وهؤلاء ينطبق عليهم المثل القائل "لكل امرئ من دهره ما تعودا"، وكأنه في الإصرار على عدم التغيير يدافع عن ذاته، ويحميها من أي خدش، وهؤلاء يفوتون على أنفسهم، ومجتمعهم كثيرا من الفرص التنموية، والوظيفية، فلو استمر السكرتير في الكتابة على الآلة الكاتبة، ولم يأخذ بتقنية الحاسب الآلي لما تطور وظيفيا، ولأعاق العمل في مكان عمله. الفريق الآخر، ذلك الذي يعشق التغيير، بغض النظر عن طبيعة التغيير، وآثاره السلبية فمجرد التغيير، وترك ما ورثه من آبائه يمثل تطورا يفتخر به، حتى لو كان على حساب قيمه، وتماسك، وقوة مجتمعه، وما من شك في أن تعريف التطور، والتقدم عند هؤلاء مشوش، وضبابي، أو أنهم اكتسبوا أفكارا غريبة جاءت بفعل مصادر التأثير من أفلام، وبرامج التلفزيون الواقعي التي هدمت مفهوم القيم من أساسه، ولم يعد قيمة لمفهوم القيم عند القائمين على مثل هذا النوع من الأنشطة.
المحاكاة، والتقليد يتحققان بتوظيف الدعاية، أو السلوك الحقيقي من خلال بعض الأنشطة، أو بالإيحاء، تمثل مختبرات واقعية تستهدف تغيير السلوك لتحقيق أهداف استراتيجية، أو مكاسب مادية وقتية، كتسويق بضاعة، ومنتج جديد، أو إحداث تغير اجتماعي عميق ليكون مستهلكا، بدل أن يكون منتجا.

إنشرها