Author

نسبة الفائدة السلبية

|
مستشار اقتصادي


أثناء دراسة الاقتصاد لم تذكر المقررات الدراسية ولو حتى بإشارة بعيدة شيئا حول إمكانية حدوث نسبة الفائدة السلبية -قبول المقرض مبلغا أقل مما تم إقراضه للمقترض- "وصل حجم السندات التي بنسبة سلبية إلى نحو 17 تريليون دولار ويقفز هذا الرقم إلى 35 تريليونا. إذ المقصود "نسبة الفائدة الحقيقية، نسبة الفائدة الاسمية- نسبة التضخم"، إلى أن قرأنا عن قرض تمويل عقاري بفائدة سلبية في الدنمارك، هذه التطورات تثير ليس الوسط المالي فقط لكن كل مهتم. تعلمنا أن الفائدة هي تكلفة مركبة للقرض عناصرها الأساسية المدة، ونسبة التضخم الحالية والمتوقعة، وأيضا هناك نوعية وجودة المقترض ونوعية الضمانات وحالة السوق المالية. لكن حين تكون سلبية كيف لنا إعادة تفكيك العناصر لتفسير التكلفة؟ بدأت الظاهرة بعد الأزمة المالية العالمية، ولو أن التوجه العام بدأ بالحالة اليابانية على أثر تبعات الفقاعة في أسواق الأصول "الأسهم والعقار" والركود الطويل الذي تبعها، وربما لا يزال مستمرا بدرجة أو أخرى منذ ثلاثة عقود، ربما ليست مصادفة أن أول من قدم تفسيرا اقتصاديا منطقيا للظاهرة اليابانية رشارد كو رئيس فريق الاقتصاديين في معهد شركة نمورا المالية للأبحاث في كتاب نشر من أعوام.
فسر الدكتور كو الظاهرة بتغيير تعريف وتحديد أسباب الركود الاقتصادي حين قدم تفسير ركود المركز المالي Balance Sheet Recesion بأنه ركود من نوع نادر في اختلاف نوعي عما تعودنا عليه من ركود بسبب دورة الأعمال الاعتيادية. الفائدة السلبية طبقا لما يقول نتجت عن عدم استعداد الشركات للاقتراض بسبب حاجتها إلى إصلاح مراكزها المالية التي أثقلت بالديون في فترة الانتعاش الاقتصادي. تواجه الشركات نقصا في الطلب مع مركز مالي ضعيف وبالتالي تحاول الشركات تقليص حجم الديون ولذلك لم يحقق الاعتماد على السياسة النقدية "سلسلة من برامج التيسير الكمي" أهدافه في تحقيق انتعاش اقتصادي حتى البرامج المالية التحفيزية استطاعت تحقيق بعض الأهداف "تخفيف وطأة الركود"، لكنها لم تضع الاقتصاد على طريق نمو مرتفع في اليابان في التسعينيات أو أمريكا وأوروبا في الأعوام القليلة الماضية.
الإشكالية أن هذا النوع من الركود يأخذ وقتا طويلا يمتد لأعوام ولذلك لم تحقق السياسة النقدية أهدافها. توافر الأموال من قبل البنوك المركزية دون استعداد شركات القطاع الخاص للاقتراض جعل السندات الحكومية مجالا للاستثمار دون منافسة ودون مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص ظاهرة crowding out، لذلك توجه التوفير المالي لشراء السندات، ما رفع أسعارها "هناك علاقة عكسية بين أسعار السندات وأسعار الفائدة"، ولذلك رغم تخفيض الفائدة ووصولها إلى الصفر إلا أن الطلب على الاقتراض ما زال محدودا. تدريجيا انتقلت من الصفر إلى السلبي، لأن هذا النوع نادر لم يتم فهمه وبالتالي لم يكن العلاج ناجعا ولذلك أخذت اليابان فترة أطول، يبدو أن أمريكا استدركت الحالة ومع هذا ما زالت في آخر مراحل الفترة الحرجة التي بطبعها تأخذ عدة أعوام، بينما أوروبا عانت انخفاضا آخر تسبب في تأخر العلاج. عدم التشخيص الجيد نتجت عنه علاجات خاطئة، بل إن هناك مخاطر من ناحيتين، الأولى في توجيه الأموال إذ إن المبالغة في توظيف السياسة النقدية قد يسبب فقاعة في الأصول ربما كما يحدث لسوق الأسهم الأمريكية إلى حد ما على الأقل، والناحية الأخرى أن هناك ضغوطا غالبا مصدرها سياسي لحلول مالية من خلال برامج دعم تحفيزية أو استثمارات غير مقنعة، واحتكاكات تجارية، وقلق حول توزيع الثروات والدخل بين الدول وداخل المجتمعات. لعل الدرس بالنسبة لنا مختلف نوعيا، المملكة وغيرها من الدول النامية ربما استفادت من أسعار الفائدة المنخفضة تاريخيا، لكن تقابل ذلك مجازفة حين ترتفع الفوائد مرة أخرى ونحن في حالة مستوى دين عال، لذلك من المهم معرفة أين نحن من التطورات والاستعداد لتغيير بعض نواحي السياسة المالية. لعل البيئة العالمية الضعيفة نسبيا تعطينا فرصة لتدبر أمورنا التجارية والاستثمارية والمالية إذا أجدنا الحصافة الإدارية.

إنشرها