Author

خوف النظام الإيراني .. عمره من عمر «انقلاب إسلامي»

|


الخوف حالة مرضية لا يعانيها سوى الذي اقترف ذنبا أو جريمة تستدعي العقاب، فيعيش في هواجس وكوابيس دائمة خشية أن تطوله يد العدالة. مثل هذه الحالة تنطبق أيضا على الأنظمة السياسية ذات السجل الإجرامي والإرهابي، فلا تمر عليها لحظة دون أن تساورها الشكوك ومشاعر القلق من احتمال الانقلاب عليها أو فرض عقوبات دولية ضدها.
وإذا ما بحثنا عن مثال للأنظمة الشريرة ذات التاريخ الحافل بالقتل والتدمير والتخريب وخرق الأعراف والمواثيق الدولية فلن نجد مثالا أفضل من نظام ولاية الفقيه الإيراني الذي بدأ عهده بجريمة خرق اتفاقية فيينا الخاصة بحماية الدبلوماسيين، وذلك حينما احتجز 52 دبلوماسيا أمريكيا لمدة 444 يوما في الواقعة المعروفة بأزمة الرهائن.
في أيامه الأولى أطلق نظام الخميني شعارات رنانة حول العدالة والمساواة والرخاء والأخوة الإسلامية وتنظيف السجون من المعتقلين السياسيين وبناء علاقات وطيدة مع دول الجوار والأقطار الإسلامية وغير ذلك مما كان يأخذه على النظام الشاهنشاهي، لكن هذه الشعارات سرعان ما تبخرت، فلا هو قام بمواصلة التنمية التي بدأها الشاه، ولا أشاع الحريات ونظف السجون، ولا استثمر مداخيل النفط في الارتقاء بمستويات المعيشة، ولا أعاد الجزر الإماراتية الثلاث لأصحابها كبادرة حسن نية تجاه الخليج والعرب، بل قام بالنقيض تماما.
لقد شعر النظام الإيراني منذ لحظة قيامه بالخوف من احتمال تبدد الشرعية التي صنعها لنفسه عبر التخفي وراء عباءة وعمامة المذهب. وزاد قلقه وخوفه من ثورة الشعب عليه، مثلما ثار على الشاه وجبروته، بعد أن أفصح عن وجهه الديكتاتوري بالتخلص تدريجيا من الرموز السياسية المنتمية للتيارات غير الإسلامية "يسارية وشيوعية وقومية ومصدّقية" من تلك التي استغلها للوثوب إلى السلطة زمن وجود الخميني في منفاه الباريسي، بما في ذلك التخلص بالإعدام شنقا من أحد أقرب المقربين للخميني وهو "صادق قطب زاده" مترجمه ومرافقه ومبعوثه للتفاوض مع واشنطن والعواصم الأوروبية.
ومثلما يلجأ الإنسان المجرم إلى علاج خوفه وهواجسه من احتمال السقوط بالبلطجة، عالج نظام الخميني وجله باعتماد سياسة ترهيب الإيرانيين من خلال إعادة تشكيل جهاز السافاك سيئ الصيت الموروث من عهد الشاه، وإعادة فتح سجن نيفين لاستقبال كل من يرفع صوته بالنقد والاعتراض، ونصب المشانق في الميادين العامة لكل مشكوك في ولائه، دعك من سحق جماجم جنرالات الشاه في صور حية بثتها شاشات التلفزة وقتذاك. ويتذكر معاصرو تلك الفترة السوداء من تاريخ إيران كيف أن ما سمي بمحكمة الثورة الإسلامية بقيادة المجرم صادق خلخالي كانت تصدر عشرات الأحكام بالإعدام يوميا بثا للرعب في قلوب الإيرانيين.
لاحقا أردف النظام هذه الخطوات بتشكيل فيالق الباستيج والحرس الثوري لقمع أي تمرد محتمل. ونظرا لهواجسه المرضية من احتمال أن تأتيه الضربة من خارج الحدود، راحت فكرة تصدير الثورة تتصدر سياساته الخارجية ضاربا عرض الحائط بما زعمه من احترامه لدول الجوار وتمسكه بعدم التدخل في شؤونها الداخلية. حدث هذا على الرغم من قيام دول الجوار الخليجي بمد أياديها إلى الخمينية، وترحيبها بها أملا في أن تكون مختلفة عن نظام الشاه لجهة الهيمنة والتوسع. أما الغرب فيكفينا أن نقول إنه هو الذي مهد السبيل للخميني للوصول إلى الحكم عبر احتضانه في باريس وتوفير كل سبل الرفاهية والاتصال به ليمضي في مخططاته الانقلابية بما في ذلك قناة اتصال بينه وبين جيمي كارتر، رئيس البيت الأبيض آنذاك ناهيك عن وضع طائرة جامبو فرنسية تحت تصرفه للعودة إلى طهران منتصرا.
تطور هلع وخوف الخمينية لاحقا فكان لا بد من عمليات إجرامية تنفذ في الخارج ضد أنظمة وأفراد معارضين، لكن بأيد غير إيرانية كي يبعد النظام عن نفسه شبهة الضلوع فيها. وهكذا جاءت مرحلة أسست طهران لنفسها وكلاء أجانب لتنفيذ العمليات القذرة وكان على رأس هؤلاء الوكلاء حزب الله اللبناني الذي ظهر في ثمانينيات القرن الماضي سالبا زعامة شيعة لبنان من حزب أمل وحركة المحرومين التي أسسها موسى الصدر، ذلك المعمم الذي أرسله الشاه إلى لبنان من أجل تحشيد الشيعة ضد الناصرية. فقام حزب الله بقيادة الإرهابي حسن نصرالله، بعد تخلصه من رفاقه المعارضين لفكرة ولاية الفقيه التي ابتدعها الخميني، بالعمل المطلوب بالتعاون الإرشادي واللوجستي السري مع الحرس الثوري الإيراني. واشتملت تلك المهمات القذرة على اغتيال عشرات المعارضين الإيرانيين في أوروبا مثل: الناشط الكردي عبدالرحمن قاسملو (فيينا 1989)، وكاظم رجوي (جنيف 1990) وشاهبور بختيار آخر رؤساء حكومات الشاه (باريس 1991)، والشاعر فريدون فرخزاد (بون 1992) والناشط صادق شرفكندي (برلين 1992) والسياسيين داريوش وبروانة فروهر (ألمانيا 1998)، وأخيرا اختطاف الإعلامي روح الله زام على يد مخابرات الحرس الثوري من العراق. كما شملت العمليات الإجرامية تفجير المقاهي والفنادق واختطاف الطائرات (حادثي اختطاف طائرة TWA وطائرة الجابرية مثالا) وبلغ خوف وهواجس النظام الإيراني مبلغه حينما راح يشتري خدمات عصابات المخدرات المكسيكية لإسكات أصوات مسؤولي الدول الأجنبية من أولئك الذين عروا سياساته الإرهابية، على نحو ما حدث في محاولة اغتيال عادل الجبير السفير السعودي الأسبق في واشنطن عام 2011.
يقولون: من أمن العقوبة أساء الأدب، وهذا ينطبق بحذافيره على النظام الإيراني لأن المجتمع الدولى والدول الكبرى تركته طويلا يواصل جرائمه دون عقوبة رادعة فاعتقد أنه في حل من الالتزام بالسلوك السوي. والأسوأ أنها كافأته على حماقاته وإرهابه على نحو ما فعله أوباما عندما وقع معه الصفقة النووية الشهيرة وأفرج عن أمواله المجمدة في الولايات المتحدة، ناهيك عن موافقة الروس على تدخله في سورية.
بمجيء ترمب إلى البيت الأبيض وتبنيه مواقف حازمة تجاه طهران تمثلت في خروجه من الاتفاق النووي الذي وقعه سلفه مع الإيرانيين وفرضه حزمة عقوبات اقتصادية غير مسبوقة عليهم، راحت فرائص النظام الإيراني ترتعد أكثر من أي وقت مضى، وبات يشعر بأن الحبال تطوق رقبته. ومثلما يتخبط الجريح المقبل على الموت في مثل هذه الأحوال، اتخذت طهران قرارها الأحمق بمهاجمة معامل النفط في بقيق السعودية لتخطو خطوة أخرى نحو نهايتها المحتومة.

إنشرها