Author

الاحتراف في تنوع الدين العام

|


في عام 2016 دخلت الحكومة السعودية بشكل رسمي إلى عالم الصكوك والسندات الحكومية. بدأت ذلك من خلال إصدار السندات ذات الأعوام العشرة ونجحت في ذلك الإصدار وهو ما شجع على مزيد من التنوع في هذا الاتجاه، فالإصدارات الحكومية من الأوراق المالية تسهم في سد العجز، وتسهم أيضا كرافعة مالية اقتصادية إذا تم توجيه تلك الأموال نحو المشاريع الرأسمالية وليس لتغطية مصروفات جارية. لكن المملكة عام 2017 اتجهت نحو إصدار الصكوك أيضا، والصكوك الإسلامية التي تمت من نوع المرابحة والمضاربة. حققت هذه الإصدارات جميعها نجاحا كبيرا، كما أن الإصدارات تمت بين الريال والدولار، وهكذا يظهر تنوع واسع جدا في الخيارات أمام المستثمرين، ولهذا فإن الإصدارات التي تلت سواء عام 2017 أو 2018 أو التي تمت حتى الآن لعام 2019 جميعها تؤكد نجاح هذا الاتجاه على الرغم من أن المحاذير كانت عالية بشأن الإصدارات الهجينة، التي تتضمن نوعين أو أكثر من الإصدارات، حيث إنها قادرة على بناء تنوع جيد للمستثمرين، لكنها أيضا تكون صعبة الإدارة إضافة إلى قلق المستثمرين. لكن الأعوام القليلة الماضية أثبتت قدرة المالية العامة ومكتب إدارة الدين العام على مواجهة هذه المشكلة والتغلب عليها.
ففي حين أن إجمالي ما تم جمعه خلال العام الجاري 2019 بلغ 30.2 مليار دولار، وذلك من الأسواق المحلية والأجنبية على حد سواء، فقد بلغ إجمالي الاستدانة من السوق المحلية وحدها 63.2 مليار ريال، هذا التنوع الذي رصدته "الاقتصادية" يؤكد أن الاستدانة بالعملة المحلية شكلت حتى الآن 55.7 في المائة، وشكلت نسبة الاستدانة بالعملة الأجنبية حتى الآن 44.3 في المائة. هذا من ناحية التنوع في العملة، بينما حققت المملكة تنوعا واسعا في الإصدارات نفسها حيث تم إصدار أول صكوك حكومية عام 2017 بقيمة 17 مليار ريال سعودي ولقيت إقبالا منقطع النظير وبلغت حصيلة الاكتتاب أكثر من 50 مليارا، ما يدل على أن النهج الذي اتخذته الحكومة السعودية يتناسب تماما مع حالة الأسواق وتنوع الخيارات فيها، فالمملكة تحاول جذب جميع الشرائح نحو الإصدارات الحكومية سواء من الصناديق الأجنبية التي تفضل السندات الواضحة، أو تلك الصناديق الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي التي تفضل الصكوك الإسلامية، ولهذا فإن الإصدار من السندات، مثلا، قد يجد إقبالا واسعا من الصناديق الأجنبية بينما يحقق نسبة أقل في الصناديق الإقليمية والعكس، فبينما تحقق الصكوك قبولا واسعا في الصناديق المحلية والإقليمية تجد النسبة أقل في الصناديق الأجنبية، وفي كل الحالات فإن القدرة في جميع هذه الإصدارات تحقق قبولا منقطع النظير.
التنوع الذي استطاعت المملكة تحقيقه سواء في القيمة أو في النوع كان له أثر بارز في تحقيق مكاسب في أسعار الفائدة، فقد تبين أن السعودية حصلت على رابع أدنى عائد لإصدار سيادي دولاري من بين 15 إصدارا قائما لحكومة المملكة، حيث تحتل المراتب الثلاث الأولى إصدارات بآجال خمسة أعوام تكون بطبيعتها ذات عائد متدن مقارنة بآجال الاستحقاق الأطول. وسجل الإصدار الدولاري الحديث أقل تكلفة تمويل لأداة دين عشرية في تاريخها، وتمكن "المركز الوطني لإدارة الدين" في وزارة المالية من تحقيق عائد وصل إلى 2.96 في المائة، على آخر إصدارات المملكة الدولية. هذه البيانات جميعها تدل على مستوى الاحتراف الذي تتم به إدارة الدين العام في المملكة وتنوع الخيارات على الرغم من صعوبة إدارة كل هذا التنوع والإصدارات الهجينة وهو ما يحذر منه البعض في أحيان أخرى.

إنشرها