Author

سهولة ممارسة الأعمال وزيادة التوطين

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية


إنه تطور إيجابي جدا، يحمل معه عديدا من الممكنات وأسباب النجاح على مستويات عديدة، لعل من أهمها وأبرزها على الإطلاق؛ أن ترتفع قدرة القطاع الخاص على زيادة معدلات التوطين. التطور الإيجاري المقصود هنا هو انفراد المملكة كأكثر الدول تقدما، والأولى على مستوى الإصلاحات من بين 190 دولة حول العالم في تقرير سهولة ممارسة الأعمال 2020 الصادر عن مجموعة البنك الدولي، بتقدمها 30 مرتبة في تقرير البنك الدولي، الذي يأتي ترجمة فعلية لـ"رؤية المملكة 2030"، بما يعكس أيضا استمرار جهود الإصلاح الاقتصادي الشامل بوتيرته الراهنة، التي تستهدف تحقيق مزيد من درجات التقدم والأفضلية في سلم تحسين بيئة الأعمال المحلية، ورفع تنافسية المملكة وصولا إلى مصاف الدول العشر الأكثر تنافسية في العالم.
المأمول في ظل هذه التحسينات والتسهيلات الإيجابية جدا، أن تنعكس إيجابا على معدلات توطين فرص العمل الكامنة في مختلف أروقة القطاع الخاص. وكما هو معلوم فلا يقف حد ممكنات القطاع الخاص عند ما تحقق بفضل الله أخيرا على طريق سهولة ممارسة الأعمال، بل يتخطاه إلى وجود دعم حكومي متعدد الاتجاهات، يستوجب مبادرة ــ دون التذكير بها ــ من منشآت القطاع الخاص لرد الجميل، وترجمته من خلال زيادة تمكين الموارد البشرية الوطنية العاملة الآن في تلك المنشآت، بإحلالها في المواقع القيادية والتنفيذية تحت شروط الأهلية والكفاءة، وهو الأمر المتوافر لدى تلك الموارد البشرية. والعمل أيضا على إحلال الوظائف الملائمة لديها المشغولة بالعمالة الوافدة، والمعني هنا تلك الوظائف الجيدة الدخل والملائمة إلى حد بعيد لمؤهلات الباحثين والباحثات عن عمل من المواطنين، التي يناهز عددها نحو مليوني وظيفة، وهو العدد الكافي جدا لامتصاص كل العاطلين والعاطلات عن العمل.
من خلال التجربة السابقة كان توطين الوظائف في القطاع الخاص يتم دون قيد أو شرط على أرباب منشآت القطاع، ودون تحديد الفرص الملائمة لمؤهلات الباحثين والباحثات من المواطنين، ما أدى إلى تقليل فرص نجاح تلك الخطط، التي تم وضعها في بداية عموم برامج التوطين، حيث انحصر التوظيف الذي حدث طوال عقد زمني مضى في مجرد وظائف هامشية بعيدة عن تطلعات العمالة الوطنية، وبعضها كان في الأصل لا يتجاوز كونه وظائف غير قابلة للاستدامة، وهو التحدي التنموي، الذي لم يعد ممكنا التعامل معه كما سبق من مرونة أو ليونة، أو مجالا للأخذ والرد بين الأجهزة الحكومية المعنية من جانب، ومنشآت القطاع الخاص من جانب آخر.
لا بد أن يرتقي مشروع توطين الوظائف في القطاع الخاص إلى مستوى أعلى مما هو عليه خلال الفترة الراهنة، وأن يتحول إلى برنامج إلزامي محدد الأهداف، وممكن قياس تقدمه من عدمه بلغة الأرقام، وأن يتسم أيضا بكل السمات، التي لم تكن موجودة في برامج التوطين السابقة، ومن أهم تلك السمات أو المحددات؛ إيجاد مسار خاص بتوطين المواقع القيادية والتنفيذية، وهو المسار الذي سيفتح بنجاحه وتحققه فرصا أوسع لاحتلال العمالة الوطنية مكانها المشروع في أعلى هرم منشآت القطاع الخاص. أقول إنه هو الذي سيفتح ــ بتوفيق الله ــ كثيرا جدا من فرص العمل المتوسطة في المستويات التالية، وهي تلك الوظائف المجدية والأكثر طلبا وملاءمة لأكثر من 90 في المائة من العاطلين والعاطلات، وكل هذا سنجد جميعا معه تقدما ملموسا وحقيقيا ذا جدوى اقتصادية واجتماعية، وصولا إلى تحقيق استدامة العمالة الوطنية في وظائفها في القطاع الخاص، تتمتع بعديد من ارتفاع الدخل واستقراره، وتتمتع أيضا بقدرتها على تحسين خيارات أفراد المجتمع من المواطنين والمواطنات.
ختاما؛ تمتلك وزارة العمل كثيرا من المفاتيح والأدوات التي سيؤدي تفعيلها إلى زيادة وتوسيع فرص العمل أمام المواطنين والمواطنات، يتقدم تلك الأدوات التي لم تستغل حتى الآن، إقرار البرامج والإجراءات الكفيلة بتوطين الوظائف الأعلى من حيث الدخل، والوظائف التنفيذية والعليا، والاهتمام بصورة أكبر بنوع النشاطات التي يعمل ضمنها مختلف منشآت القطاع الخاص، ونوع الوظائف حسب مستوياتها الإدارية، وحسب مستويات الأجور الشهرية، ذلك أن أغلب الوظائف الوهمية التي تم ضخها خلال أعوام مضت سبقت فترة الانخفاضات الأخيرة، تركزت على الوظائف الهامشية ذات الأجور المتدنية. وكان مما دعم تلك التشوهات الطارئة قيام صندوق الموارد البشرية بتحمل جزء كبير من الأجور الشهرية المدفوعة، ولم يتغير الوضع كثيرا خلال الفترة الثانية، بعد توقف الصندوق عن تحمل تلك النسبة من الأجور الشهرية المدفوعة للعمالة الوطنية، حينما تزامن تصحيح أغلب المنشآت لمختلف أشكال التوطين الوهمي لديها، مع انخفاض قياسي للعمالة الوافدة من ذوي الأجور المتدنية، ما أبقى معدلات التوطين في مسار متصاعد، بالتزامن مع ضعف التوطين في المستويات الإدارية المتوسطة والعليا، وللوظائف ذات الأجور المتوسطة فأعلى.
إن وزارة العمل بتبنيها منهجيات أكثر حيوية وتواؤما مع التطورات والمستجدات الراهنة، بما يتجاوز في تنوعه وذكاء تعامله "المسطرة" شبه الجامدة للبرامج الراهنة، يمكنها بتوفيق الله تعالى أن تحقق كثيرا من الإيجابيات الاقتصادية والاجتماعية، التي ستمتد آثارها المحمودة من مجرد خفض معدل البطالة محليا، ومجرد تصحيح أوضاع سوق العمل المحلية، إلى تحقيق عوائد أعلى تمتد إلى نمو الاقتصاد الوطني، وتحسين مستويات الدخل بصورة مثالية لشرائح أوسع من المجتمع السعودي، والمساهمة بصورة أفضل بكثير في دعم مختلف البرامج الراهنة للتحول الوطني 2020، ولبقية المبادرات والبرامج المهمة المكونة لـ"رؤية المملكة 2030". والله ولي التوفيق.

إنشرها