Author

دول الخليج والطريق الثالث

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.


تواجه دول الخليج الواردات التي لا يقابلها إنتاج محلي رغم أن الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج العربي عام 2018 بلغ 1.6 تريليون دولار ويعد النفط والغاز الجزء الأكبر من موازنة جميع دول الخليج، ثم إن فكرة موازنة عامة معتمدة على النفط والغاز لا تزال مقلقة ما جعل صناع القرار في دول الخليج يفرضون مجموعة من الضرائب كجزء من الحل لتنويع الإيرادات المالية للموازنة العامة، وفي الوقت نفسه استخدمت تلك الأدوات الضريبية لمعالجة مشكلات اقتصادية متعقلة بالاستهلاك المفرط وتحجيم السلع الضارة على الصحة العامة كما تم تفعيل تلك الأدوات الضريبية لتوجيه الاستثمارات إلى مسارات جديدة مثل الصناعة والخدمات بعيدا عن العقار، كما أن دول الخليج حررت أسعار بعض الخدمات والوقود بهدف توجيه منتجاتها النفطية لسوق التصدير لزيادة النقد الأجنبي من الدولارات، وكل ما قامت به دول الخليج يعد من الإصلاحات المعروفة التي يوصي بها صندوق النقد الدولي بهدف الاتجاه نحو اقتصاد السوق الحر.
معظم بلدان العالم تتبع سياسات تعمل وفق اقتصاد السوق الحر لكن مراكز البحوث والمنتديات العالمية حاليا تدعو إلى التخفيف من الليبرالية الحديثة؛ بسبب عوارضها الجانبية على المجتمعات وضعف المساواة والعدالة الاجتماعية إضافة إلى عدم قدرة الدول النامية على مواكبة موجة الأسواق الحرة؛ لأسباب هيكلية مثل ضعف الأسواق الداخلية أو غياب القوى البشرية الماهرة أو عدم توافر ظروف عمل تنافسية، وفي المقابل هناك الاشتراكية التي لا يريدها أحد.
دول الخليج جزء من المنظومة الاقتصادية للعالم إلا أنها لا تستطيع تبني أي من النماذج السابقة بشكل واضح وعميق؛ لذا فإن تبني اقتصاد السوق الاجتماعية أو ما يعرف بين السياسيين بالطريق الثالث؛ قد يكون ملائما إلى درجة كبيرة مع بعض التعديلات التي سأذكرها في مقال مقبل من واقع فهمي لاقتصادات الخليج.
إن نظام الطريق الثالث يجمع بين كفاءة الاقتصاد والعدالة الاجتماعية بما في ذلك مفاهيم تتعلق بجودة الحياة والسعادة والاستقلال الذاتي عن قوى السوق التي تدمر الحياة والأسرة والصحة لحساب مجموعات اقتصادية مسيطرة؛ تؤدي إلى إصابة المجتمع بالإجهاد المزمن ذهنيا وجسديا وماديا.
أما من الناحية العملية فإن ذلك النظام يجعل الاقتصاد مناصفة بين شركات الدولة وشركات القطاع الخاص ولا سيما عندما يكون القطاع الخاص ضعيفا أو ناشئا، تقوم الدولة بالسيطرة على الصناعات الثقيلة والخدمات المكلفة على المواطنين وتوجيه الأسواق؛ بهدف توفير الادخار الوطني ودعم القطاعات الاقتصادية الداخلية بالموارد، وإنقاذ السوق عند الفشل وتحسين القدرة التنافسية للإنتاج المحلي كما تقوم شركات الدولة بدور انتقالي بين الاقتصاد الموجه واقصاد السوق الحر عن طريق بيع أسهم لشركات القطاع الخاص في شركات مملوكة للدولة، وتقوم شركات القطاع الخاص بالعمل في مجالات التصنيع للمستوى الثالث كتصنيع المنتجات الغذائية والمنتجات الاستهلاكية.

إنشرها