Author

المصارف الرقمية .. هل تمثل تحديا للتقليدية؟

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية


المصارف من القطاعات الحيوية والمؤثرة في الاقتصاد العالمي وطالما كانت المصارف مصدر دعم للاقتصاد وفي الوقت نفسه مصدر قلق، فالنشاط الاقتصادي في أي بلد اليوم يعتمد بصورة كبيرة على كفاءة القطاع المصرفي فالمصارف اليوم تعد شريانا للاقتصاد.
اليوم ومع التحولات الكبيرة التى تشهدها الأسواق العالمية أصبح هناك منافسون للمصارف التقليدية، حيث إن بعض المؤسسات العالمية التي تقدم خدمات متنوعة أصبحت تمارس بعض أدوار المصارف، فعلى سبيل المثال لا الحصر المواقع الإلكترونية التي يمكن أن نصنفها بأنها "مولات" إلكترونية أصبحت تقدم خدمات أشبه بخدمات بعض المصارف فمن ذلك أنها ترتقي بمستوى الثقة بين البائع والمشتري، حيث تؤدي شيئا من وظيفة الاعتماد المستندي الذي يوثق العلاقة بين البائع والمشتري خصوصا في معاملات الاستيراد والتصدير، إذ إن هذه المنصات أو "المولات" تجعل العلاقة بين الطرفين أكثر موثوقية بما لا يتطلب الحاجة إلى التواصل مع المصارف لتحقيق ذلك، كما أن بعض هذه المواقع وبسبب انتشارها بدأت تفكر في إنشاء عملات إلكترونية وهي بذلك لا تهدد القطاع المصرفي وحده بل البنوك المركزية التي أصبح مثل هذا الأمر يهدد قدرتها على إدارة السيولة وإصدار العملات، وهناك توجه موجود يمكن من خلاله تقديم كثير من الخدمات المالية دون الحاجة إلى زيارة فروع المصارف التقليدية من خلال التواصل مع المؤسسات المالية الرقمية وتنفيذ كثير من العمليات مباشرة من خلالها ويمكن أيضا حل المشكلات والتواصل مع خدمات العملاء على مدار الساعة بما يوفر كثيرا على العميل ويزيد كفاءة عمل المؤسسات المالية والمصرفية.
لكن السؤال: هل هذا يمثل تهديدا حقيقيا للمصارف التقليدية، كما هو الحاصل اليوم لكثير من المتاجر التقليدية وغيرها؟
الحقيقة إن هناك نوعا من التوقعات المبالغ فيه فيما يتعلق بقضاء التقنية على مجموعة من الأعمال التجارية والاقتصادية أيا كان الأمر، وكل ما في الأمر أن التحولات التي يشهدها العالم فيما يتعلق بالتقنية هي تغيرات في الأدوات لا النشاط نفسه، أما ما يتعلق بالتحول في النشاط نفسه فهو محدود وقد لا يلغي الحاجة إلى وجود المؤسسات الحالية كداعم، وإذا ما نظرنا إلى مسألة استخدام التقنية وفاعليتها فالأمر لا يختلف كثيرا عن المؤسسات الإعلامية التي صور البعض أنها ستنهار بعد مواقع التواصل الاجتماعي إلا أن هذه المواقع زادت من قوة وتأثير كثير منها، حيث أصبحت تصل إلى شريحة كبيرة من الناس بسهولة مع الاستفادة من رصيدها في الموثوقية وقدرتها على الوصول أسرع إلى الخبر والمعلومة.
أما فيما يتعلق بالمصارف والمتاجر فالأمر يتعلق بقدرة هذه المؤسسات على المبادرة بالانخراط والاستفادة من التقنية بما يمكنها من زيادة نشاطها والوصول إلى شريحة أكبر من المستفيدين وزيادة رصيدها من الموثوقية وسرعة تقديم الخدمات وتنوعها إضافة إلى الاهتمام بجانب الولاء وسرعة التجاوب مع المستفيدين، ومن ثم ستجد نفسها أمام فرص غير محدودة إذ بإمكانها أن تقدم خدماتها لكثير من الناس الذين يبعدون كثيرا عنها سواء بسبب الإقامة في الخارج أو لأسباب انتقال مؤقتة، لكن مثل هذا التحول لا يمكن أن ينجح دون الحاجة إلى دعم المؤسسات الحكومية سواء الرقابية أو التشريعية، حيث إن التوسع والاستغناء عن التواصل بشكل مباشر يتطلبان تسهيل مجموعة من الإجراءات واستبدال بعض الخطوات التي تتطلب وصول المستفيد إلى بدائل تحقق المقصود وفي الوقت نفسه لا تتطلب حضور المستفيد، ويمكن أن يكون مثل هذا الإجراء يتطلب تراخيص مخصصة لفتح فروع إلكترونية منفصلة في إدارتها وتشغيلها عن المؤسسات التقليدية وذلك بوضع تنظيم يخصها مع تحديد الخدمات التي يمكن أن تقدمها تلك المصارف الرقمية، كما أنه ومن أجل جذب الاستثمارات الأجنبية، والحد من وجود احتمالات للإضرار بالمستفيدين من المواطنين يمكن فتح هذه التراخيص للمؤسسات الأجنبية حيث تتمكن من تسويق منتجاتها وخدماتها للمواطنين مع الالتزام بشروط محددة تطلبها المؤسسة التشريعية والرقابية في المملكة، مع التوضيح للمواطنين إخلاء مسؤولية المؤسسة الحكومية -مؤسسة النقد- فيما يتعلق بالتعاملات مع المؤسسات المالية غير المرخصة.
الخلاصة: إن المصارف الرقمية يمكن أن تمثل تهديدا للمصارف التقليدية فيما لو تجاهلت المصارف التقليدية التحولات التي يشهدها العالم تجاه التقنية، لكن في حال عملها على تحقيق تحول حقيقي تجاه التقنية وتسهيل المعاملات وزيادة كفاءة نشاطها فإن ذلك يمكن أن يفتح لها فرصا كبيرة ويخفض عليها التكاليف ويمكنها من الوصول إلى عملائها في مختلف دول العالم، وهنا تأتي أهمية دور المؤسسات الحكومية التشريعية منها والرقابية في دعم هذه التوجه وزيادة كفاءته وموثوقيته.

إنشرها