Author

الشمول المالي ونمو الودائع

|

قبل عدة أعوام أطلق البنك الدولي مبادرة "الوصول المالي العالمي" من أجل تطبيق نظام المدفوعات الرقمية على مستوى العالم ووصول الخدمات المالية وتخفيف الرسوم المصرفية، وفي ذلك الحين بلغت نسبة البالغين الذين يمتلكون حسابا مصرفيا في المملكة 74 في المائة، مقارنة بـ90 في المائة، ما جعل موضوع الشمول المالي يتصدر اهتمامات الدولة ويدخل ضمن مبادرات برنامج تطوير القطاع المصرفي في "رؤية المملكة 2030" بهدف زيادة عدد من لديهم حسابات مصرفية من البالغين من 74 إلى 80 في المائة. لكن الشمول المالي ليس مجرد قيام الشخص الطبيعي بفتح حساب مصرفي بل هو في جوهره وصول الخدمات المصرفية إليه أينما كان، وفي هذا الاتجاه بالذات اتجهت المصارف السعودية إلى تعزيز منظومة خدمات المدفوعات لتصل إلى أكثر من 18 ألف جهاز صراف آلي، وتصل نقاط البيع إلى 364 ألف نقطة بيع و729 مركزا للتحويلات في أنحاء البلاد كافة، وهذا شمل المناطق البعيدة والهجر. بينما بلغ عدد الفروع المصرفية 2084 فرعا منتشرة في البلاد كافة، كما ألزمت مؤسسة النقد جميع المصارف بتقديم الخدمات المصرفية عبر القنوات الإلكترونية و364 ألف نقطة بيع على مستوى مراكز البيع السعودية. هذا العمل الضخم قاد إلى أن تصل الودائع في النظام المصرفي السعودي إلى أعلى مستوياتها منذ 27 عاما لتبلغ 1.7 تريليون ريال بسبب نمو "الودائع تحت الطلب" وذلك بحسب رصد وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية" التي استندت إلى بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما". وسجلت الودائع نموا نسبته 1.5 في المائة "25.929 مليار ريال"، وهي أعلى نسبة نمو منذ ديسمبر 2018، وهذا الاتجاه يظهر بكل وضوح أن مبادرات "رؤية المملكة 2030" قطعت شوطا مهما في تحقيق مستهدفاتها.
لعل من اللافت أن تحقيق مستهدفات "رؤية المملكة 2030" بشأن الشمول المالي يحقق مستهدفات أخرى في برامج الـ"رؤية" ومن ذلك برامج جودة الحياة التي تسعى إلى تحسين نمط حياة الفرد والأسرة وتهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة وتنويع النشاط الاقتصادي، ما يسهم في تعزيز مكانة المدن السعودية في ترتيب أفضل المدن العالمية. فالشمول المالي الذي يجعل الخدمات المصرفية تصل إلى منزل كل فرد في أي مكان من المملكة يحقق جودة الحياة الآمنة، ووصول نقاط البيع إلى جميع المحال التجارية يسهل عملية التبادل خاصة مع تنوع أدوات الدفع الإلكترونية التي تصل اليوم إلى جهاز الهاتف الجوال، كما أن تعزيز الشمول المالي يحقق تقدما بارزا في مبادرات مكافحة التستر التجاري، حيث إن وجود حسابات شخصية لجميع المشاركين في الأعمال التجارية والمؤسسات والدفع من خلال نقاط البيع وتقليل الدفع النقدي تجعل من الصعوبة بمكان لممارسي التستر تحقيق الفوائد الاقتصادية المرجوة منه، وبهذا يمكن مكافحة هذه الظاهرة كلما زاد عدد الأشخاص الذين لديهم حسابات مصرفية وزاد عدد المؤسسات التي لديها نقاط بيع، والمصب النهائي لهذه المبادرات يظهر بكل وضوح في نمو الودائع الجارية في المصارف السعودية.
يبقى تعزيز السلوك الادخاري كإحدى أهم مبادرات "رؤية المملكة 2030"، ونمو الودائع يشير إلى الاتجاه نحو مزيد من الادخار، لكن يظل مؤشر الودائع الادخارية والزمنية، هو الأكثر مصداقية في هذا الاتجاه وهنا تشير الأرقام إلى تراجع بنسبة 0.6 في المائة "2.762 مليار ريال"، وقبل القفز إلى النتائج يظهر أن الودائع الأخرى "شبه النقدية" نمت بنسبة 4.2 في المائة كأعلى نمو منذ يونيو 2018، ما يشير إلى تغير هيكلي في شكل المدخرات، وقد يكون للقلق العالمي من الركود أثر في هذا الاتجاه. وعلى كل حال فإن الاتجاه العام الذي تشير إليه هذه الأرقام مجتمعة يدل على الاقتراب من تحقيق مستهدفات "رؤية المملكة 2030" في القطاع المصرفي، وإلى متانة هذا القطاع خاصة أن قيمة أصول المصارف العاملة في السعودية نمت بنسبة 1.9 في المائة "47.1 مليار ريال"، لتصل إلى 2.513 تريليون ريال مقارنة بنحو 2.466 تريليون ريال.

إنشرها