Author

الكاتب.. والتبرير!

|

من الأمور التي تستهلك عقل الكاتب ونفسيته أن يبرر لمن حوله من أهل وأصدقاء أو معارف، حين يكتب قصة إنسانية أنهم ليسوا المقصودين في مقاله، وقد يمتد الحوار بينه وبينهم حتى يتحول إلى جدال عقيم، فلا هو الذي أقنعهم أن القصص الإنسانية تتشابه، ولا هم الذين اقتنعوا بأنه "غير قاصدها"، حين تقرأ مقالا ما عزيزي القارئ وتشعر أن شخوصه وأحداثه تنطبق عليك، فلا يدفعك الحماس، لتؤمن إيمانا راسخا أن الكاتب الذي تعرفه معرفة شخصية "مستقعد لك" ويرغب في نشر حكايتك لينتقص منك، فقد تكون في واد والكاتب في واد آخر تماما، ولا أعتقد أن أي كاتب يحترم أمانة قلمه ورسالة الكتابة التي يحملها يصنع من مقالاته منزلقا لتصفية حسابات شخصية بينه وبين من يحيطون فيه، لأنه حين يفعل ذلك، فهو لا يصنع له أعداء فحسب، بل يصنع
"متاريس" تعيقه عن التركيز وتجعله ينغمس في هذا الصراع غير المتناهي من الجدال عديم الفائدة. يقول مارك توين، "لا تغضب إذا انفجر البالون في وجهك فأنت من أعطاه أكبر من حجمه وكذلك بعض البشر"، ترفع الكاتب عن الخوض في مثل هذه التبريرات والصدامات أمر في غاية الأهمية، لأنه بمجرد أن يكون طرفا فيها فسيجد نفسه في متاهة لا يعرف بدايتها من نهايتها.
كل كاتب من حقه أن يستلهم مادة مقاله من الأحداث التي يعيشها ويراها ويسمع بها ويقرأ عنها ويشعر بها، وليس من حق الآخرين أن يقيموا له محاكمة ويطالبوه بالتبرير عما كتب أو يتهموه بالتعريض والتشهير بهم ومحاولة الانتقاص منهم، ما دام لم يذكر شخوص الحكاية بأسمائهم ولا المكان ولا الزمان، من أروع الأساليب النبوية التي تعد نهجا جميلا لكل كاتب أن النبي - صلى الله عليه وسلم – "إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن كان يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا"، فالكاتب حين يصوغ تلك القصة الإنسانية بشكل لطيف دون التعريض المباشر لشخوصها، فإنما هو يرجو أن تترك ذلك الأثر الملهم في القارئ نفسه وحين ينجح في ذلك يكون فعلا أدى رسالته.
دعوا الكاتب يبدع ويستلهم وإن رأيت عزيزي القارئ أن حكايتك نسخة مطابقة لحكاية منشورة في عامود كاتب ما فلا تشغل الكاتب بالتبرير وتحكم عليه بسوء النيات فليس ذنبه أن حكايات البشر الإنسانية تتشابه في كثير من الأحيان.. بل وربما تتطابق!

اخر مقالات الكاتب

إنشرها