Author

إدارة الذات

|

اعتدنا أن نسمع مصطلح الإدارة للإشارة إلى إدارة حكومية كإدارة مدرسة، أو مستشفى، كما يستخدم للإشارة إلى إدارة في القطاع الخاص كشركة، أو مؤسسة، وما إلى ذلك، إلا أن مصطلح إدارة الذات لا يستخدم إلا بين المختصين، وربما يستغربه البعض؛ نظرا لشيوع، ورسوخ معنى الإدارة من خارج الذات في الأذهان، بدلا من الإدارة من الداخل.
ومن ملاحظة شخصية يلمس المرء فرقا بين الناس في قدرتهم على تدبير أمورهم، والارتقاء بها من مستوى إلى مستوى آخر أفضل من ذي قبل في حين يوجد آخرون يفشلون في إدارة أنفسهم، ويضيعون شؤونهم لقصور يعانونه داخلهم.
القدرة على إدارة الذات تتطلب خصائص نفسية، وعقلية، يتصف بها الفرد، ويطورها مع الوقت أهمها استيعاب، وفهم الموقف الذي يمر به، حتى يتمكن من وضع الخطة، واختيار الطريقة المناسبة للتصرف، وهذا لا يتحقق فيما لو كان الفرد مشتت الذهن، فعدم قدرته على التركيز يفقده القدرة على حسن التصرف، فعدم اتزان الفرد الداخلي يحول بينه، وبين الفهم، والتصرف الجيد.
في تطوير الذات، وتنميتها يمكن القول إن إدارة الذات تنمو، وتتطور من خلال الاستفادة من التجارب، والمواقف التي يمر بها الفرد، وما يترتب عليها من آثار، ومعرفة ردود فعل الآخرين نحو تصرفاته، وسلوكه، ومدى قبولهم، أو رفضهم لها، وتحقيقها لمصالحه، بما لا يتعارض مع المبادئ، والقيم السائدة، ولا يضر مصالح الآخرين، ويظهر الفرد بالأنانية، والشيفونية.
من الخصائص اللازمة لإدارة الذات القدرة على التحكم في المشاعر، في المواقف الإيجابية، والسلبية، فلا إفراط، ولا تفريط، إذ يتفاعل مع المواقف السارة بصورة متزنة، يغلب عليه الوقار، وهو يعبر عن فرحه في نجاحه، أو حصوله على جائزة، ونحو ذلك، كما أنه يعبر عن مشاركته الآخرين أفراحهم بالصورة اللائقة المعتدلة غير المبالغ فيها، وهذا ينطبق على المواقف العصيبة التي يتعرض لها الفرد مثل الوقوع في حادث، أو أمر جلل، حين يفقد البعض قدرتهم على التحكم في مشاعرهم، ويطلقون لها العنان بصورة نشاز. ولنا في الحديث الشريف خير مرشد لإدارة الذات "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
إدارة الذات الناجحة تتضح في كثير من المجالات، فحين يقيم علاقات مع الآخرين، ويختار أصدقاءه تتحقق في حكمة اختيار الصديق المناسب، الذي يزيد قيمته المعنوية، ولا تتسبب صداقته في الإضرار بسمعته، وخدش صورته في مجتمعه. كما أن إدارة الذات تظهر في قدرة الفرد على تنظيم وقته، حسب الأولويات، دون أن يترك الأمر للآخرين يتحكمون في مستقبله، ومصيره، ويضيع عمره في لهو، ونشاطات لا تحقق له أي مصلحة. ومن الشواهد على حسن إدارة الذات تنظيم الميزانية والقدرة على التوفيق بين الدخل، والمصروفات، وهذا ما يفتقده البعض ممن ينفقون أكثر من دخلهم، ما يعرضهم إلى الاقتراض، وتحمل الديون التي تدخلهم في دائرة المشكلات القانونية. ومن سوء إدارة الذات صرف المال في أمور تافهة، لا علاقة لها بما يحفظ للفرد حياة كريمة تجنبه العجز المالي نهاية الشهر، وقبل نزول الراتب رغم أن الراتب قد يكون مجزيا، لكن سوء التصرف الناجم عن افتقاد الحكمة يوقعه في هذا المأزق.
وجود أهداف واضحة، ومحددة توضع لها خطة عمل تتضمن الاحتياجات، والجدول الزمني لتحقيقها يمثل قاعدة أساسية يتم في ضوئها إدارة الذات الجيدة، فالهدف يوجه نشاطات الفرد، وعلاقاته، وتفكيره بما يسهم في تيسير الوصول إلى الهدف المنشود. نحتاج إلى إدارة ذواتنا في مجالات عدة، خاصة ما يتعلق بالعناية بالصحة، والمحافظة عليها، فمن يعانون أمراضا مزمنة كالسكر، والضغط، أو من يعانون السمنة المفرطة المؤثرة في حياتهم بحاجة ماسة إلى إدارة الذات بشكل جيد؛ لتجنب الأغذية الضارة المسهمة في ارتفاع السكر أو الضغط، وهذا يتطلب إرادة قوية، وقدرة على التحكم في النفس، وردعها عن الانزلاق وراء الملذات الضارة بالصحة ولذا فإن نجاح الفرد بالالتزام بتوجيهات الطبيب، والبرنامج الغذائي، أو الرياضي يمثل إدارة ذاتية ناجحة.

إنشرها