Author

الرياض وموسكو وصناعة القرار العالمي

|


الزيارة التاريخية التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمملكة، رفعت زخم العلاقات بين البلدين إلى المستويات التي تسعى إليها قيادتا البلدين. فهذه العلاقة بطبيعتها متميزة، وأضافت هذه الزيارة مزيدا من الأهمية والتميز على مختلف الأصعدة، ولا سيما أنها تأتي بعد سلسلة لم تتوقف من اللقاءات والاجتماعات والمشاورات على الصعيدين السياسي والاقتصادي، يضاف إلى ذلك أن العلاقات بين الرياض وموسكو تستند، من ضمن ما تستند، إلى اشتراكهما في عضوية مجموعة العشرين التي اتخذت زمام المبادرة العالمية منذ أكثر من عقد من الزمن. فالعلاقات بين البلدين لا تختص فقط بالجوانب الثنائية، بل تشمل دور المملكة وروسيا على الساحة الدولية، وصناعة القرار العالمي.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لخص طبيعة علاقات بلاده مع روسيا، بأنها متينة ومتميزة، وتسير بخطوات قوية نحو مزيد من التميز على مختلف الأصعدة. فالقمة السعودية ــ الروسية استهدفت تطابق الرؤى حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية المتفاعلة في الوقت الراهن، وهذا أمر محوري جدا بالنسبة لبلدين محوريين. وهناك كثير من القواسم المشتركة على الصعيد السياسي دعمتها القمة التاريخية، كما عززت ما هو قائم بين الجانبين، الذي بني على أسس قوية وعبر مراحل ومستويات سياسية مختلفة في الأعوام الماضية، في الإطار المتنامي للعلاقات الراهنة. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن العالم اطمأن على الصعيد النفطي نتيجة للدور المباشر الذي تلعبه المملكة في هذا المجال، والتعاون الروسي الكبير.
على الصعيد الاقتصادي تحقق كثير من الخطوات في الفترة الماضية، من خلال تعاون كبير ومتنوع في مختلف المجالات الحيوية. وأسهمت الاجتماعات واللقاءات المشتركة بين الجهات الاقتصادية في البلدين في تعزيز التعاون الاقتصادي بين الرياض وموسكو، عن طريق بناء الشراكات وإنشاء الأعمال في معظم القطاعات، خصوصا في ظل مسيرة "رؤية المملكة 2030" التي تقوم على استراتيجية بناء اقتصادي مفتوح على كل الجهات. وكما هو معروف للعالم، حققت هذه المسيرة خطوات كبيرة على صعيد الإنجازات، ولا تزال تمضي بسرعة نحو غاياتها. هذه الاستراتيجية استقطبت في الواقع اهتمام أغلبية الدول من خلال دخول شركاتها ومؤسساتها للسوق السعودية في كل القطاعات المتاحة.
إن الاتفاقيات الاستثمارية التي وقعها صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وصندوق الاستثمارات الروسي المباشر كبيرة ومتعددة. وتبلغ قيمة 14 مشروعا منها أكثر من ثلاثة مليارات دولار، وهي مرشحة للزيادة في المرحلة المقبلة. فهناك 30 مشروعا مشتركا بين الرياض وموسكو في الزراعة والإنتاج الحيواني والسكك الحديدية وقطاع البتروكيماويات والأسمدة. وفي الفترة الماضية خففت السعودية الاشتراطات الرقابية على القمح الآتي من روسيا، ما دعم الأواصر في هذا المجال. وهناك مشاريع في قطاعي النفط والغاز موجودة بالفعل، لكنها تدعمت أكثر في أعقاب زيارة بوتين للمملكة. الآفاق واسعة أمام هذه العلاقات المهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما أن السياسة المتبعة في تعزيزها تستند إلى أسس واقعية وعملية في آن معا. إن مثل هذه العلاقات تمثل ضرورة حتمية للمجتمع الدولي كله، إلى جانب مخرجاتها الكبيرة على صعيد الاستثمار والتنمية والبناء والأعمال.

إنشرها