Author

«روح يا ولدي»

|

حالة التبني التي نجدها في كبار السن لمن يأتون في ظلهم، أو تحت تأثيرهم منتشرة في العالم العربي بشكل عام، وهي تفقد كثيرا من تأثيرها في العقود المتأخرة لأسباب كثيرة، أظن أهمها انقطاع التواصل الشخصي، الذي أحدثته ثورة الاتصالات، حيث لا يجتمع الأبناء والآباء إلا لماما، ففقد السن أهميته وتأثيره في الأشخاص بشكل عام.
أذكر أن أول رئيس لي كان يناديني بـ"يا ولدي"، كان المفهوم نفسه وما زال يؤثر في رؤيتي للرجل وتذكري له -رحمه الله-. لكن الواقع يقول: إن العبارة هي مجموعة من المكونات، التي تجعل العلاقة أكثر حميمية، فهو يعرف أبي -رحمه الله- وبعض إخواني وقابلهم، وكنت أرى المقابلة بينهم وكأنها مكسب كبير لي شخصيا رغم عدم علاقتهم بعملي مع الرجل.
أول مرة سمعت فيها هذه العبارة كانت في أول شهر عملت فيه عندما حل رمضان، وكنت مغتربا فأوصاني أن أقضي رمضان مع أهلي بقوله: "روح يا ولدي صوم مع أهلك". قد يعتقد البعض أن هذا الأمر جعله متراخيا معي في العمل، ولكن الواقع يقول: إننا كنا نعمل حتى الفجر في بعض الأيام دون توقف لا يتجاوز ساعتين. الدافع حينها قد يكون كلمة "يا ولدي"، هذه التي ربطتنا بالرجل، ودفعت الجميع لتحقيق النجاح معه. انتشار هذه الروح حفز من كانوا سلبيين في الأساس لمحاولة اللحاق بركب النجاح، الذي يشاهدونه متمثلا أمامهم.
فقدنا روح "يا ولدي" اليوم، أوجدنا حواجز كثيرة تحد من نجاحنا مهما حاولنا أن نحقق النجاحات، ظهر في المنظومات مكونات إقطاعية لا تعمل شيئا دون مقابل. أصبح العمل عبئا على الجميع وتحول الموظفون إلى مجموعة من الآلات، التي يربطها بالمكان أمور ليس منها تبني الأهداف، أو الرغبة في النجاح، أو الرؤية الكبيرة للجهاز وأهميته بشكل عام.
كل هذه الإشكالات تواجه المدير اليوم، وقد يسبب احتضان الموظفين حالة من النقد أو السخرية، لكنه ممكن وقادر على أن يحقق لنا بعض النجاحات، خصوصا عندما نجعل من أنفسنا أمثلة للانضباط والنزاهة والشفافية، وهو أمر يجب أن يحاول كل مسؤول في المنظومة أن ينجزه بحسب قدرته، وطريقته ومداه الذي يسيطر عليه.

إنشرها