Author

الثقة بمتانة الاقتصاد السعودي والمالية العامة

|


جاءت بيانات مؤسسة النقد مبشرة إلى حد كبير بشأن الأصول السعودية خلال النصف الأول من العام الجاري 2019، فقد بلغت قيمة أصول السعودية نحو 3989 مليار ريال بنهاية النصف الأول من 2019، في حين بلغت قيمة هذه الأصول بنهاية النصف الأول 2018 نحو 3899 مليار ريال، أي أن الأصول ارتفعت بمقدار 90 مليار ريال، وهذا يشير إلى الاتجاه الصاعد في قيمة الأصول السعودية، كما أن هذه البيانات مبشرة حيث إن امتلاك الحكومة حجما كبيرا من الأصول يشكل دعما للتصنيفات الائتمانية السيادية. ولفهم هذه المسألة يجب فهم مؤشرات السيولة في عالم الأعمال حيث تصبح قدرة المنشأة الاقتصادية على الاستمرار مرهونة بقدرتها على توفير السيولة في الأمد القصير.
فالتقارير المالية تفصح اليوم وبشكل مستمر عن قيمة الأصول المتداولة التي تعبر بشكل واضح عن مقدار تلك الأصول التي يمكن أن تصبح سائلة في وقت لا يتجاوز العام من أجل مواجهة جميع الالتزامات التي قد تنشأ خلال العام نفسه، فإذا كانت المنشأة الاقتصادية قادرة على تحقيق تدفقات نقدية جيدة ومع وجود أصول متداولة مرنة فإن تصنيف هذه المؤسسة الاقتصادية يرتفع وقدرتها على الاستدامة تزداد. لكن تبقى هذه المعلومة مرهونة بحجم الدين والالتزام المطلوب من المنشأة الاقتصادية خلال العام، فمهما كانت قدرة المنشأة على إنتاج النقد ومهما كان حجم الأصول المتداولة لديها فإن القرار بشأن قدرة المنشأة على مواجهة الالتزامات مرهون بحجم هذه الالتزامات، ولهذا يصبح الإفصاح عن هذه الالتزامات أمرا ضروريا، وهو ما يعرف اصطلاحا في عالم القوائم المالية بالالتزامات المتداولة، وهي تلك الديون والمطلوبات التي يجب الوفاء بها خلال عام، وإذا ما تم جمع قيمة هذه المطلوبات مع المصروفات السنوية كافة فإنه يجب أن يكون لدى المنشآت الاقتصادية تدفقات نقدية قادرة على مواجهة ذلك كله وتكون لديها أصول متداولة قادرة على التغطية فيما لو ساءت الظروف، وإلا فإن الوضع المالي للمنشأة الاقتصادية ككل يصبح محل قلق للمستثمرين. هذه العلاقة بين الأصول المتداولة والالتزامات المتداولة تسمى مؤشرات السيولة، وهي من أهم المعلومات التي يتم من خلالها تصنيف القدرة على الاقتراض ومن خلالها يتم تحديد أسعار الفائدة. وما هو صحيح في عالم الأعمال صحيح أيضا في عالم الأموال الحكومية، ذلك أن المستثمر واحد في كل الحالات، فالمصارف والمؤسسات الاستثمارية الكبرى هي القادرة على شراء السندات الحكومية، ولذا تهتم هذه المنشآت المالية بقدرة الحكومة على خدمة الدين في المدى القصير وهذا مرتهن بأمرين معا، هما قدرة المالية العامة على زيادة مصادرها من الأموال في الوقت المناسب أو توافر مصدر للسيولة قادر على تمويل هذه المطلوبات.
هكذا تظهر الصورة الشاملة للمالية العامة السعودية، فهي ذات متانة مالية كبيرة، واستقرار كبير على المديين القصير والطويل، فقد استطاعت الحكومة تحسين الإيرادات غير النفطية وهذا عزز قدرتها على توفير السيولة بشكل منتظم بعيدا عن تقلبات أسعار النفط، وهذا منح مزيدا من الثقة للمؤسسات المالية لتدفقات نقدية مستدامة قادرة على خدمة الدين، كما أن هذه المصادر الجديدة للمالية العامة ساعدت الحكومة على تعظيم أصولها وهو ما دعم الاتجاه الصاعد والارتباط بالناتج المحلي في الأمد القصير، فأي زيادة في الناتج المحلي، مع بقاء مستويات الدين على وضعها السابق ستقود إلى زيادة الأصول الحكومية، وزيادة متانة المالية العامة، وهو الذي سينعكس على التصنيفات الائتمانية بشكل جيد مهما كانت حالة السوق النفطية أو التوترات الجيوسياسية، فالمسألة مرهونة بالقدرة على السداد وهذا متوافر بشكل ضخم والحمد لله، فبالمقارنة بين نسبة الأصول ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي تدرك المفاهيم المشار إليها فالمالية السعودية تعلن وبشكل مستمر ملخص المديونية العامة، حيث بلغت الديون المباشرة القائمة على الحكومة في 30 يونيو 2019 نحو 627.8 مليار ريال (167.4 مليار دولار)، منها 344.7 مليار ريال (91.9 مليار دولار)، ديون محلية و283.1 مليار ريال (75.5 مليار دولار) ديون خارجية، وتبلغ وفقا لهذه الأرقام 15 في المائة من الناتج المحلي، وبذلك فإن قدرة الاقتصاد على تغطية الدين تبلغ 4.6 مرة، وهذا مؤشر عال جدا على المتانة الاقتصادية ماليا، فضلا عن أن الأصول المالية قادرة على تغطية هذا الدين أكثر من قدرة الناتج المحلي الإجمالي إذ تبلغ 6.36 مرة، وإذا ما تمت إضافة قدرة المالية العامة على إنتاج النقد من خلال الإيرادات غير النفطية فإن الثقة بالاقتصاد السعودي اليوم في أعلى مستوى بلا أدنى شك.

إنشرها