Author

فرص واعدة مع إفريقيا

|


القارة الإفريقية ثاني قارات العالم مساحة وسكانا، حيث تزيد أراضيها على 30 مليون كيلومتر مربع يقطنها أكثر من 1200 مليون إنسان. عانت القارة الإفريقية الاستعمار لفترات طويلة، وسوء استغلال الموارد، وعدم الاستقرار السياسي وهو ما نشر الفوضى والفقر والأمية، وبطأ التنمية البشرية، وأضعف البنية الأساسية. ثم بدأت الأوضاع تتحسن أخيرا في أرجاء القارة، حيث شهد عديد من بلدانها تحولات إيجابية واستقرارا ورشادة سياسية. وانعكست هذه التحولات على الأوضاع الاقتصادية حيث أخذت القارة تسجل معدلات نمو اقتصادي جيدة وتحسنا في مستويات المعيشة. ومن المتوقع أن يستمر النمو الاقتصادي في تسجيل معدلات فوق المعدل العالمي خلال العقود المقبلة. وترشح بعض المصادر تميز القارة في معدلات النمو الاقتصادي خلال الأعوام المقبلة، كما كان حال القارة الآسيوية خلال العقود الماضية. وتستشرف المؤسسات الدولية أن يصل معدل النمو الاقتصادي في إفريقيا إلى 4 في المائة في 2019، وأن يسجل شرق إفريقيا معدلات نمو مرتفعة تقارب 6 في المائة هذا العام وتتجاوزه العام المقبل.
تكثر الموارد الأولية في إفريقيا وهي قارة بكر نسبيا مقارنة بالقارات الأخرى، ما يجعلها مصدرا لكثير من الخامات التي يحتاج إليها العالم المتقدم لصناعاته المختلفة. وتولي الدول الكبرى اقتصاديا اهتماما متزايدا بالقارة ومواردها ما يجعلها حقلا للمنافسة بين هذه الدول الطامعة في خيراتها وأسواقها الواعدة. وتأتي الصين على رأس الدول المدركة لأهمية القارة الإفريقية وأكبر المستثمرين فيها حيث ضخت مبالغ كبيرة في مشاريع البنية الأساسية وتقوية نفوذها ومشاركتها في استغلال موارد القارة وأنشطتها الاقتصادية.
يصل البحر الأحمر ــ أحد أهم شرايين التجارة العالمية ــ بين المحيط الهندي والبحر المتوسط رابطا القارة الأوروبية بآسيا وشرق إفريقيا. ويزيد سكان الدول المطلة على البحر الأحمر أو القريبة منه على 300 مليون إنسان. ويوجد على شواطئ البحر الأحمر عديد من الموانئ والمناطق الحرة ولكن لم يشتهر أي منها عالميا كمركز مهم ومتميز للتجارة مثل دبي أو سنغافورة أو هونج كونج، حيث تميل معظم موانئ البحر الأحمر لخدمة اقتصاداتها الداخلية. تتفوق المملكة على الدول البعيدة عن القارة الإفريقية بعدة ميزات مهمة لعل من أبرزها قربها الجغرافي من إفريقيا التي لا يفصلها عنها إلا البحر الأحمر الذي لا يتجاوز معدل عرضه 300 كيلو متر، كما تملك أطول السواحل بين الدول المطلة عليه. وتضاف إلى مكانتها الجغرافية والاستراتيجية من إفريقيا علاقاتها وروابطها التاريخية الضاربة في القدم، كما تحظى المملكة بمكانة خاصة لدى سكان القارة الذين يدين معظمهم بالإسلام لاحتضانها الأماكن المقدسة.
توفر الميزات النسبية للمملكة مع إفريقيا فرصا واعدة في تجارة السلع والخدمات مع القارة بوجه عام وشرقها بوجه خاص. وسيساعد بناء موانئ متخصصة في التجارة الدولية، ومناطق حرة لتجميع وتصنيع وتخزين وتوزيع السلع والبضائع القادمة من إفريقيا أو الذاهبة إليها على تعظيم استغلال الفرص المتاحة. صحيح أن المملكة لديها أكبر ميناء على سواحل البحر الأحمر ولكن هذا الميناء يخدم بالدرجة الأولى الاقتصاد المحلي ولا ينبغي الاقتصار عليه في تشجيع التجارة العالمية. ويبدو أنه من الأجدى تخصيص أو بناء ميناء معين "أو موانئ" على البحر الأحمر وتهيئته ليكون مركزا عالميا متخصصا في التجارة مع إفريقيا وبينها والعالم بشكل عام. ويمكن تعزيز فعالية هذا الميناء من خلال وجود منطقة "مناطق" حرة كبيرة قابلة للتوسع على الأمد الطويل لتسهيل إنتاج السلع والخدمات وتصديرها. وتحتاج القارة في مسيرتها التنموية إلى خدمات متميزة التي سيستورد جزء كبير منها، ما يفتح فرصا واعدة لتصدير الخدمات من المملكة إلى القارة. وسيعزز بناء مناطق حرة لتطوير صادرات وإعادة تصدير الخدمات من فرص المملكة في اقتناص جزء حيوي من الطلب المتزايد على الخدمات في إفريقيا بشتى أنواعها، سواء كانت مالية أو معلوماتية أو خدمات الأعمال والتخزين والتوزيع والتجميع.
تنمية البنية الأساسية في الدول الإفريقية المطلة على البحر الأحمر ستدعم أهمية الموانئ والمراكز الاقتصادية المطلة عليه. ويمكن للمملكة دعم تمويل مشاريع بنية أساسية معينة تربط ما بين شرق إفريقيا ذاتها وباقي القارة وتخدم في الوقت نفسه تجارة المملكة وصادراتها من الطاقة وغيرها مع القارة الإفريقية بوجه عام. وهذا سيدعم مكانة المملكة في القارة كما سيدعم تدفق التجارة معها. قد يرى البعض أن حجم وإمكانيات إفريقيا وشرقها في الوقت الحالي لا تبرر التكاليف الباهظة لتطوير مرافق التجارة مع القارة، لكن معظم المختصين يرون أن مكانة القارة اقتصاديا ستنمو بقوة خلال العقود المقبلة وستنمو معها احتياجاتها وتجارتها الخارجية. ويتطلب بناء أهمية تجارية عالمية لموانئ ومناطق حرة تستقطب التجارة والمستثمرين وقتا طويلا، لهذا ينبغي الاستعداد مبكرا لاستغلال الفرص والمنافع المستقبلية.

إنشرها