Author

الاقتصاد الإيراني من مصيبة إلى أخرى

|


الاقتصاد الإيراني يتجه بسرعات مختلفة نحو الانهيار. هذه حقيقة صارت معروفة للشعب الإيراني مثلما هي كذلك على الساحة الدولية. هذا الاقتصاد لا يعاني المشكلات فحسب، بل يعيش تخبطا كبيرا، وفوضى بلا حدود، حيث رفعت حدة الخلافات حتى ضمن المؤسسة الحاكمة نفسها في البلاد، بل لنقل زادت من مستوى الاتهامات بين المسؤولين أنفسهم. لكن الأمر كله يرتبط بمسألة واحدة، وهي "جفاف" العوائد المالية للنظام الإرهابي الحاكم، واستمرار هذا النظام في استراتيجية الخراب التي تستند إلى الإنفاق على العمليات العسكرية والإرهابية هنا وهناك، تاركا المعاناة المعيشية للمواطن الإيراني ترتفع بصورة يومية. هذا الوضع أدى "كما هو معروف" إلى رفع مستويات القمع التي يمارسها نظام علي خامنئي على مواطنيه، تجنبا لأي انتفاضة جديدة تستهدفه، خصوصا في هذا الوقت بالذات.
توقعات البنك الدولي الأخيرة بانكماش الاقتصاد الإيراني هذا العام والعام المقبل، لا تستند إلى دليل واحد بل تقوم على عشرات الأدلة. فهذه المؤسسة الدولية تتوقع الانكماش في حدود 8.7 في المائة، وهذا ينسجم مع ما يحدث على الساحة المحلية في إيران. والسبب الرئيس وراء ذلك معروف للجميع أيضا، وهو يرتبط مباشرة بالعقوبات الدولية المفروضة على النظام الإرهابي في البلاد، وخصوصا العقوبات الأمريكية التي لا تتوقف عند حدود معينة. هذه العقوبات خاضعة بالفعل لمراجعة تكاد تكون يومية، ما يسبب مزيدا من الضغط على طهران. ولم تستطع هذه الأخيرة طوال الأشهر الماضية الالتفاف حول هذه العقوبات، حتى عندما كان الاتحاد الأوروبي يوفر بعض الأدوات لإتمام مثل هذا الالتفاف، فالأوروبيون أوقفوا بالفعل السياسة المرنة البائسة التي كانوا ينتهجونها حيال نظام يمارس كل أنواع التخريب والإرهاب.
الدول التي كانت ترتبط بعلاقات اقتصادية مع إيران، أنهت هذه العلاقات خوفا من الغضب الأمريكي، الذي ضرب بالفعل في الأعوام الماضية مؤسسات أمريكية وأجنبية "ولا سيما أوروبية" بسبب خرقها أنظمة العقوبات الأمريكية نفسها. ولذلك، فإن خطة واشنطن "تصفير" صادرات النفط الإيرانية تمت بالفعل في الفترة الماضية. حتى عمليات تهريب النفط التي يجيد ممارستها نظام الملالي لم تعد تحدث. وإيران "رغم كل إمكاناتها الطبيعية" لا تزال تعتمد على النفط كسلعة أساسية للدخل القومي. أضف إلى ذلك العقوبات الأخرى التي تطول قطاعات متعددة، الأمر الذي زاد من المعاناة المالية لنظام طهران، ورفع بالطبع حجم المشكلات الكبيرة التي يعيشها الإيرانيون، بما في ذلك حدوث تحولات اجتماعية مخيفة.
التضخم الحقيقي في هذا البلد بلغ أكثر من 52 في المائة. والانهيار في قيمة الريـال الإيراني لا يتوقف، لتصل هذه العملة إلى أدنى مستوى لها في تاريخ البلاد. أما البطالة فقد بلغت مستويات تاريخية أيضا. الأعمال تتوقف على مدار الساعة في البلاد، بما في ذلك المقاهي الشعبية الرخيصة، والهجرة باتت متصاعدة من المدن إلى الأرياف هربا من الغلاء فيها. وهناك كثير من المعطيات التي تثبت أن حجم الاقتصاد الإيراني في العام المقبل سيكون عند 90 في المائة من حجمه السابق قبل عامين فقط. الانكماش الذي يواجهه هذا الاقتصاد لن يتوقف عند حدود معينة، وستأكل العقوبات مزيدا من قدراته في الأشهر القليلة المقبلة، بينما لا توجد أي مؤشرات على إمكانية أن يغير نظام علي خامنئي الإرهابي من استراتيجيته التخريبية التي ينتهجها. ما يجري في إيران مصيبة متوالدة تنال بالدرجة الأولى من الشعب.

إنشرها