Author

الأزمة الاقتصادية العالمية .. والحاجة إلى نماذج عمل جديدة

|


تأتي آراء صندوق النقد الدولي مقلقة بشأن الاقتصاد والتجارة العالميين، وكما أشارت رئيسة صندوق النقد الدولي، ووفقا لـوكالات أنباء، أن الصندوق يتوقع هذا العام "نموا اقتصاديا أبطأ في 90 في المائة من العالم"، وأنه من المتوقع أيضا "أن يكون نمو الاقتصاد العالمي هذا العام هو الأضعف منذ بدء العقد الحالي". ومن المؤكد الآن أن هذا التباطؤ يعود إلى أسباب رئيسة، منها النزاعات التجارية، خاصة بين الصين والولايات المتحدة، ثم تأتي ديون الشركات في العالم ذراع الإنفاق الحكومي في كثير من الدول، إضافة إلى مشكلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي أربك المشهد الاقتصادي والتجار في دول الاتحاد.
ورغم أن صندوق النقد الدولي يحاول معالجة الحالة الراهنة بوصفها حالات منفصلة، فهو يسعى إلى خفض التوتر التجاري من جانب، بينما يشجع الحكومات على زيادة الإنفاق، ويمهد الطريق أمام الشركات لإعادة جدولة الديون، لكن من المهم أن يلاحظ الصندوق أن هذه المشكلات العالمية لا يمكن حلها بطريقة تجزئتها، ذلك أنها مترابطة بشكل معقد، فمن المعلوم أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تتصاعد حتى تجاوزت اليوم مسألة الرسوم الجمركية إلى منع التبادل التجاري في المواد والبضائع شبه المصنعة، فبينما تسعى أمريكا إلى منع تصدير التقنيات المتطورة إلى الصين، تمنع الصين تصدير العناصر النادرة التي تقوم عليها هذه التقنيات، وهذا أدى إلى أن يصبح "نمو التجارة العالمية في حالة توقف تام تقريبا"، وفقا لتصريحات رئيسة الصندوق الدولي، التي أكدت أن الحرب التجارية ستكلف النمو العالمي نحو 700 مليار دولار بحلول عام 2020، أي ما يعادل حجم الاقتصاد السويسري. هذا التوقف بدوره أدى إلى تفاقم أزمة ديون الشركات العالمية المعرضة لخطر التخلف عن السداد، مهددة بالارتفاع إلى 19 تريليون دولار، أو نحو 40 في المائة من إجمالي الديون في ثمانية اقتصادات رئيسة، هي ألمانيا، والصين، وإسبانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، وهو أعلى من المستويات التي سجلت خلال الأزمة المالية لعام 2008. ورغم أن أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة تماما، إلا أن الشركات لم تستخدم هذه الفرصة لتمويل الاستثمارات الجديدة، بل لتمويل الاندماج والاستحواذ فقط، وهذا الاتجاه يعززه اتجاه الحكومات إلى تخفيض الإنفاق، فتباطؤ الاقتصاد العالمي وتوقف التجارة العالمية تماما، يقلل من أرباح الشركات ويفاقم الديون، ومن ثم تتقلص الإيرادات الحكومية وتتجه الحكومات إلى تخفيض الإنفاق، ما يفاقم أزمة النمو العالمي ويبدأ التباطؤ بتغذية نفسه في حلقة مفرغة. لذا، يرى "الصندوق" أن على بعض الدول مثل ألمانيا، زيادة إنفاقها، وأن تخصص نفقات إضافية بالذات لمجالات البنية التحتية والبحث، لكن الدول قد ترى أن مثل هذا الإنفاق في ظل الديون الكبيرة على الشركات وتوقف التجارة العالمية، يعد أمرا غير ذي جدوى اقتصادية، بل يهدد الاحتياطيات وقدرة الاقتصاد على المناورة فيما لو اندلعت أزمة مالية مثل تلك التي حدثت في عام 2008.
هكذا يبدو المشهد الاقتصادي العالمي محيرا ومربكا، وطالما يحاول صندوق النقد الدولي معالجة هذه القضايا بشكل منفرد، وطالما بقيت معركة كسر العظم على أشدها بين الولايات المتحدة والصين، ويبقى الرهان على أي خروج من حالة التباطؤ رهانا خاسرا في المنظور القريب، ولا بد أن يتحرك العالم لمعالجة هذا الصراع ببناء نماذج حكومية اقتصادية جديدة، وأن يغير صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى من نماذج العمل القائم والبحث عن نماذج جديدة، كما حصل في "أوبك +"، فقد استطاعت دول الإنتاج النفطية بقيادة السعودية أن تحقق قفزة تاريخية، وأن تخرج من قوقعتها لتقدم للعالم نموذجا يحتذى في معالجة الصراعات التجارية، ويحقق استقرارا عادلا للجميع.

إنشرها