FINANCIAL TIMES

مواطن الخلل في «الريبو» تكشف عيوب نهج «الاحتياطي الفيدرالي»

مواطن الخلل في «الريبو» تكشف عيوب نهج «الاحتياطي الفيدرالي»

استجابة الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك للتقلبات الأخيرة في أسواق الإقراض قصير الأجل أشارت إلى مشكلة أعمق.
بدأت أسعار فائدة الريبو لليلة واحدة - وهي سعر الفائدة المدفوع لاقتراض الأموال مقابل سندات الخزانة لمدة 24 ساعة فقط – في الارتفاع منذ يوم الإثنين 16 أيلول (سبتمبر). بيد أن الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وهو المسؤول عن تنفيذ السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، لم يتدخل لمحاولة تخفيف الضغوط حتى الساعة التاسعة صباحا من اليوم التالي.
وفقا لجون ويليامز، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، تم توقيت الإعلان ليتزامن مع إصدار بيانات تظهر ارتفاعا في سعر الفائدة الفعلي على الأموال الفيدرالية. هذا يجعل التفويض بالتدخل واضحا. سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، الذي يتتبع متوسط سعر الفائدة المدفوع بين مؤسسات الإيداع على إقراض بعضها بعضا من الاحتياطيات النقدية الفائضة، هو سعر الفائدة الأساسي المستهدف من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي. بعبارة أدق، لن يسيطر الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك على أسعار فائدة الريبو.
بيد أن هجوم الاحتياطي الفيدرالي على سوق الريبو – نظرا لتكراره عدة مرات - أثار جدلا حول ما إذا كان صناع السياسة يركزون على سعر الفائدة المناسب على المدى القصير. كانت الأموال الفيدرالية ذات يوم هي القوة الدافعة للأسواق النقدية. الآن تحتل مكانة ثانوية والريبو يتولى القيادة.
انخفض متوسط حجم التداول اليومي في سوق الأموال الفيدرالية ما يزيد على 100 مليار دولار قبل الأزمة المالية ليهبط إلى 68 مليار دولار فقط هذا العام، مقارنة بأكثر من تريليون دولار في أسواق إعادة الشراء، وفقا لبيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. في اليوم الذي ارتفعت فيه أسعار فائدة الريبو إلى أعلى مستوياتها في الآونة الأخيرة لتصل إلى 10 في المائة، كانت أحجام تداول الأموال الفيدرالية أقل من متوسطها اليومي.
يتضح الانخفاض البطيء في الأموال الفيدرالية بين المؤسسات المالية الكبرى من خلال حقيقة أن مصرف ميجا التجاري الدولي في تايوان - وهو ثالث أكبر مصرف في البلاد من حيث الأصول، ولديه عدد قليل من الفروع في الولايات المتحدة - يعد من ضمن أكبر المقترضين في السوق. من بين الجهات المهيمنة الأخرى البنوك الفيدرالية التي تقدم القروض السكنية، وهي شبكة من المؤسسات التي ترعاها الحكومة تم إنشاؤها لدعم القروض العقارية.
بناء على ذلك، كما يقول محللون، من الصعب القول إن الأموال الفيدرالية تمثل قوة محركة تؤثر في أسواق الإقراض على المدى القصير. بحسب ما شهدنا في أيلول (سبتمبر)، فإن وظيفتها الأساسية – وهي تتبع سعر الفائدة المستهدف للاحتياطي الفيدرالي - قد انهارت، لأنها أصبحت الآن سريعة التأثر بتغيرات أسعار الفائدة الأخرى، مثل الريبو، بدلا من قيادتها.
يعكس ذلك الانهيار التغيرات الأساسية في طبيعة النظام المصرفي. قبل الأزمة المالية كان الهدف من سوق الأموال الفيدرالية يبدو واضحا. من خلال ضبط كمية الاحتياطيات التي كانت تملكها المصارف يمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي تعديل أسعار الفائدة في السوق. قلة الاحتياطيات تعني عادة زيادة تكلفة اقتراض الأموال والعكس صحيح.
تدفقت هذه القوة المحركة إلى أسواق أخرى مثل الريبو لأن المصارف كانت لديها إمكانية اختيار المكان الذي تستثمر فيه أموالها. إذا كانت أسعار فائدة الريبو مرتفعة، فإن سوق الريبو ستحصل على الأموال المتوافرة، ما يعيد أسعار الفائدة في نهاية المطاف إلى ما كانت عليه.
لكن بعد أن أصبحت احتياطيات الأزمة وفيرة، في الوقت الذي شرع فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي في تنفيذ برنامج التسهيل الكمي، ما عمل على تقييد حسابات المصارف الاحتياطية كلما اشترى منها أصولا مثل سندات الخزانة أو سندات الرهن العقاري. المصارف الكبرى لم يعد لديها مثل هذا الطلب الكبير على النقد.
منذ أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي سياسة التشديد الكمي، انخفضت الاحتياطيات وبالتالي أصبحت بعض الجهات الفاعلة - ولكن ليس جميعها - تعاني نقصا في السيولة مرة أخرى. مثل هذا النقص يهدد قدرة الاحتياطي الفيدرالي على التحكم في سعر الفائدة الفعلي للأموال الفيدرالية - مثلما أصبح واضحا الشهر الماضي، عندما تحرك السعر لفترة وجيزة خارج النطاق المستهدف.
اعتقد صانعو السياسة أن المصارف الكبرى ستقرض الاحتياطيات في سوق الريبو للاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة المعروضة، لكنها لم تفعل ذلك. ويعزى ذلك جزئيا إلى أن الاحتياطيات تتركز في عدد قليل من المصارف الكبيرة جدا مثل "جيه بي مورجان تشيس" و"سيتي جروب"، اللذين بحاجة إلى الاحتفاظ بكمية كبيرة من الأصول السائلة للغاية، وذلك يعود إلى تشديد اللوائح التنظيمية في فترة ما بعد الأزمة.
من الناحية النظرية كان ينبغي أن يكون لدى هذه المصارف حافز للحصول على احتياطيات إضافية في سوق الأموال الفيدرالية. مثلا، كان من الممكن أن تحقق مصارف كبيرة، مثل "مورجان ستانلي" أو "جولد مان ساكس"، ربحا سريعا عن طريق الاقتراض من سوق الأموال الفيدرالية وإقراض تلك الأموال النقدية في سوق الريبو. لكن ذلك كان سيعني زيادة المصرف لميزانيته العمومية، وهذا من شأنه أن يزيد احتياجها إلى رأس المال مع مرور الوقت. الضوابط الداخلية المشددة تجعل من الصعب فعل ذلك حتى لو كان مجرد تغيير على المدى القصير لتحقيق المنفعة.
نتيجة لكل هذا، ابتعدت المصارف الكبرى عن سوق الأموال الفيدرالية بشكل أو بآخر، ما جعل الإشارات الخارجة منها أقل موثوقية مما كانت عليه في السابق. في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، نظر مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي في إمكانية الابتعاد عن استخدام سوق الأموال الفيدرالية باعتبارها هدفا للسياسة، معترفا بعدم مثاليتها. الأمر الذي ينبغي أن ينتقل إليه بدلا من ذلك، لا يزال مفتوحا للنقاش. والأحداث الأخيرة عززت فقط الحجة المؤيدة لإيجاد بديل.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES