أخبار اقتصادية- عالمية

المدن الذكية .. رهان عالمي على استقطاب استثمارات بمليارات الدولارات

 المدن الذكية .. رهان عالمي على استقطاب استثمارات بمليارات الدولارات

"المدن الذكية بما فيه الكفاية تجلب الاستثمار، والسياحة، والصناعة، والمصارف، ومليارات الدولارات".. هذا هو ملخص الندوة الدولية، التي أقيمت في جنيف أخيرا حول "المدن الذكية بين الواقع والخيال وتحديات الحراك الحضري".
وتعد سهولة وسيولة التنقل، واحترام البيئة، والإدماج الاجتماعي تحديات رئيسة تواجه العواصم العالمية، التي لن تعالجها سوى المدن الذكية.
فمن برشلونة إلى بوينس آيرس، ومن شانغهاي إلى ستوكهولم، ستزيد الكثافة الحضرية 30 في المائة في المتوسط خلال 15 عاما، ويعد التحول الرقمي للمدن لب الحلول المستدامة لإدارة أكثر كفاءة، فضلا عن تحسين نوعية الحياة الأفضل.
وسعت الندوة إلى التفريق بين السياقات المختلفة للمناطق الحضرية قبل استحضار نكسات هذه المدن فائقة الترابط، التي تطغى عليها قاعدة البيانات الكبيرة المنتشرة في كل مكان، إضافة إلى بحث الفرص الاستثمارية المتعلقة بإنفاق المدن على التنقل الآلي، التي ستصل إلى 189 مليار دولار بحلول 2024.
ونوه متحدثون إلى أن كل مدينة تعد فريدة في نوعها، وثقافتها، وعادات سكانها، وبنيتها التحتية، والتمويل المتاح، سواء أكانت غنية أو فقيرة، شابة أو عجوزا، مكتظة السكان أو قليلة، لأنه من المستحيل مثلا مقارنة بوسطن ببرازافيل. وفي الوقت الحاضر، تتصدر العواصم الآسيوية الكبرى بالترتيب، سنغافورة، وطوكيو، وبكين، وشانغهاي قائمة الاستثمارات، ولكي يكون لهذه الاستثمارات أثر دائم، يثور تساؤل: هل ينبغي أن يسبقها تفكير شامل في كيفية تأسيس المدن الذكية لتجلب المليارات إليها؟
ويجيب المتداخلون في الندوة بـ"نعم"، فقد أنشأت برشلونة، وهي مدينة رائدة أوروبيا في مجال الترابط البيني، منصة لجمع البيانات الخاصة بأجهزة الاستشعار، وتنشرها بصيغة قياسية لتكون متاحة للجميع، فضلا عن منصة ثانية لتحليل البيانات يمكن الوصول إليها بسهولة.
فقد تم تجهيز أماكن وقوف السيارات بأجهزة الاستشعار، التي تسمح للسائقين بتحديد مواقع غير مأهولة عن طريق تطبيق الهاتف الذكي.
وبفضل الاستفادة المثلى من المساحات المتاحة، مكن نظام "وقوف السيارات الذكي" برشلونة من توليد مبلغ إضافي قدره 50 مليون يورو سنويا من إيرادات وقوف السيارات.
وأصبح هذا النظام جزءا من خطة وطنية شاملة للتنقل البيئي، وهي الشبكة الإسبانية للمدينة الذكية، التي تشمل عشرات المدن، بما في ذلك سانتاندر، التي تمكنت من تقليل الازدحام المروري 80 في المائة.
وتشير الرؤية الإسبانية لـ"المدينة الذكية"، إلى أن المعلومات التي تجمع يجب أن تكون في خدمة السكان وليس العكس. وفي سنغافورة ظهر مفهوم إشاعة البيانات أيضا (وهي المدينة التي يبلغ ارتفاع الأشجار فيها 50 مترا فأكثر وتكون مزودة بأجهزة استشعار تنظم درجة الحرارة)، حيث توفر أيضا للجمهور خدمة بيانات مادية مفتوحة.
وفي طوكيو وسنغافورة وفانكوفر، أصبح واقع التنقل الجماعي بداية من القطارات، ومرورا بالمترو، وانتهاء بالحافلات، واقعا ملموسا بالفعل، كما هو الأمر في أمستردام واستوكهولم، المعروفة بتشجيع سكانها على التنقل بالدرجات الهوائية والمشي، وهذا نتيجة الطبيعية والمباشرة، تتمثل في تأخر انتقال الركاب لكن الازدحام والتلوث أصبح محدودا، وقد شرعت المدن الصغيرة هي الأخرى أيضا في الدخول في هذا التحدي.
ومع التطور المتوقع لتقنيات التنقل خلال الأعوام العشرة المقبلة، تثور تساؤلات حول: ماهية النماذج المختلفة للمدن الذكية مع تباين أولوياتها وقيودها؟
مؤسسة ماكينزي، التي تحدثت في الندوة أحصت 50 مركزا حضريا، يمكن فيها تكييف النماذج المستقبلية المختلفة للتنقل، ولا عجب، فالسيارات دون سائق لن تناسب جميع المدن.
وفي المدن الضخمة في البلدان الناشئة المكتظة بالسكان في آسيا وأمريكا اللاتينية، مثل نيودلهي، وبومباي، ومكسيكو سيتي، التي أدى التحضر السريع فيها إلى ازدحام مروري كبير ونضوب نوعية الهواء النقي، تصبح السيارات المستقلة القيادة محض خيال، إذ إن هذه المدن لديها بنية تحتية رديئة، وعلامات الطرق لا يحترمها الناس، ووفرة من المارة على الطرق.
ويبدو أن الحل الأكثر واقعية للتخفيف من اختناق عقدة المواصلات، يكمن في المركبات الكهربائية، والنقل الجماعي المشترك.
من ناحية أخرى، تعد المدن الكثيفة السكان والغنية في الموارد، مثل شيكاغو وهونج كونج ولندن وسنغافورة، مناطق مناسبة للتنقل الجماعي من الباب إلى الباب، بفضل مزيج من الحلول البديلة (السيارة الكهربائية، والقيادة المستقلة، والنقل العام الجيد)، وسكان المدن في هذه العواصم لديهم بالفعل إمكانية الوصول إلى نظم مرنة ونظيفة.
لوس أنجلوس، التي يستشهد بها على نطاق واسع (حيث الازدحام المروري يكلف المدينة نحو 23 مليار دولار سنويا)، يمكن أن تكون مرشحة لنموذج لاستخدام المركبات المستقلة القيادة مع ممرات مخصصة.
لكن، على الجانب الآخر، يعتقد بعض الخبراء أن تقليل وقت القيادة من شأنه أن يشجع على مزيد من استخدام السيارة، وبالتالي، سيزيد الازدحام على المدى الطويل.
وحذر بعض المتحدثين مما أسموه "السباق إلى التقنيات"، وحثوا على استخدام المصطلح بحكمة، أى دون إفراط أو تفريط.
ويرى هؤلاء أن المشاريع المكلفة والغريبة الأطوار، مثل "هايبرلوب إيلون مسك" (الذي يعد بدفع كبسولات الركاب في نفق) لن يخدم سوى النخب ولن يحل القضايا الحضرية. ولهذا ينبغي للحلول الذكية أن تضيف شيئا إلى البنية التحتية القائمة وألا تؤدي إلى تفاقم التفاوتات الاجتماعية.
من جهة أخرى، ناقشت الندوة أيضا بعض المخاطر التي تواجهها المدن ذات الارتباط الفائق بالتقنية الرقمية، التي غزتها البيانات الكبيرة في كل مكان باعتبارها وقود التحول الرقمي، وتوقع المتداخلون في الندوة أن يزداد استخدام البيانات الضخمة في 2024 بنسبة 63 في المائة، سواء أكان ذلك للأفضل أو للأسوأ.
ومن حيث المبدأ، فإن أجهزة الاستشعار، التي تستكشف البيئة المادية وتوفر البيانات المتعلقة بالخدمات البلدية تعد جيدة جدا.
لكن الجمهور- وهذا أمر مفهوم- يرى استخدام البيانات الشخصية بمنظور سلبي، فقد تساءل بعض المتحدثين: ماذا سيحدث إذا وقعت تلك البيانات في أيدي شركات خاصة؟
وتعد سونجدو، وهي واحة كوريا الجنوبية للتقنية الفائقة، التي تم إنشاؤها من الصفر، مدينة فائقة الاتصال والإفراط في أجهزة المراقبة، حيث يوجد 500 جهاز يراقب كل زاوية ومرتبط بمحطة للتحكم.
وفي هذه المدينة يتم تقديم خدمة البريد بواسطة الطائرات دون طيار من أجل رفاهية سكانها، وفي حين قللت هذه الأجهزة من عبء نقل السلع المادية، بدأ السكان يشككون في رفاهيتهم، إذ أصبحوا يعيشون تحت سماء تعج بطائرات دون طيار، خصوصا أن هناك أسطولا من طائرات المراقبة دون طيار يعمل لمراقبة الطرق الرئيسة.
أما عن فرص الاستثمار في السوق الجديدة للتنقل الحضري- الكهربائي والجماعي- فإنه، وفقا لتقديرات الندوة ستزيد من ثمان إلى تسع مرات في الأعوام الستة المقبلة لتصل إلى 400 مليار دولار من الآن إلى 2025.
وفي نهاية المطاف، ستجذب المدن الذكية، التي تستثمر في الخدمات التنافسية الشركات متعددة الجنسيات والأثرياء، وبالتالي الحصول على عائد جيد من الاستثمار.
وللقيام بذلك، سيتعين على المدن الذكية إيجاد أوجه من التآزر بين قضايا الديون البلدية والتمويل الخاص، وفيما يتعلق بالديون فوق الحدود الإقليمية، فإن هناك بعض البرامج، مثل "استراتيجية 2020 للاتحاد الأوروبي"، التي أطلقها البنك الأوروبي للاستثمار، وتشمل عدة مشاريع لدعم الاستثمارات في المدن الذكية.
وفي الوقت الراهن، يستكشف المصرف الأوروبي إمكانية إنشاء منصة استثمارية مخصصة للمدن الذكية من خلال الصندوق الأوروبي للاستثمار الاستراتيجي.

إنترنت الأشياء

وأفادت مؤسسة البيانات الدولية خلال الندوة بأن الجزء الأكبر من الإنفاق في بناء المدن الذكية، سيخصص للشبكات وأجهزة الاستشعار، وعلى سبيل المثال، برشلونة التي أنشأت 500 كيلو متر من كابلات الألياف البصرية لتطعيم أجهزة الاستشعار.
وفي أتلانتا، تم دمج أجهزة الاستشعار بالمصابيح العامة لقياس جودة الهواء، وفي سنغافورة، أسست أجهزة التعرف على الوجه تغطي كل متر من هذه المدينة.

هل هي ثورة صناعة السيارات؟

ورجح متحدثون أن تصبح السيارة الكهربائية- وهي أحد مكونات المدن الذكية- قاعدة المستقبل وأن تصل للذروة في مبيعاتها خلال 2027.
وتشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن حصة المركبات الكهربائية المتداولة ستصل إلى 13 في المائة في 2030، و25 في المائة من المركبات الجديدة المبيعة ستكون كهربائية (بما في ذلك 10 في المائة ببطاريات كهربائية و90 في المائة سيارات هجينة أو يعاد شحنها في محطات الشحن).
أما مؤسسة "أنفيسكو"، فقد كانت الأقل تفاؤلا بطرحها دراسة في الندوة سلطت الضوء على سلسلة من المشكلات، التي يتعين حلها، إذ ترى أن إنتاج الكوبالت، وهو خام يستخدم في تكوين البطاريات، لن يكون كافيا لسد حاجيات السيارات الكهربائية.
وعدت "أنفيسكو" أن أسعار المركبات الكهربائية مرتفعة للغاية، نظرا لمداها المنخفض البالغ 300 كيلو متر، مضيفة أن "شبكة المدينة" لن تكون قادرة على توفير الطاقة اللازمة لإعادة الشحن الجماعي في وقت واحد، إضافة إلى أن المعايير التنظيمية ونظم إعادة تدوير البطاريات غير موجودة.
ورغم ذلك، توقع متحدثون أن تزيد السوق العالمية للسيارات الكهربائية، التي تبلغ قيمتها 36 مليار دولار، ثمانية أضعاف في حدود 2030 لتصل إلى 285 مليار دولار، قائلين إن التغير في عادات المستهلكين واضح جدا، خاصة في المدن الأوروبية الكبرى، حيث تنخفض مبيعات السيارات التقليدية.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية