Author

انكماش الاقتصاد البريطاني

|


انزلاق الاقتصاد البريطاني نحو الركود، ليس خبرا جديدا. ففيليب هاموند وزير المالية السابق أعلن "وهو في منصبه" أن هذا الركود سيحدث إذا ما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وتوقع أن يتراجع الاقتصاد بين 3 و7 في المائة. وإذا تم ذلك بالفعل، فالمملكة المتحدة ستضمن هبوطها من المركز الخامس في قائمة أكبر اقتصادات العالم، إلى السادس. وهذا الاقتصاد يواجه منذ استفتاء الخروج في عام 2016 ضربات مختلفة، بما في ذلك انهيار قيمة الجنيه الاسترليني بنسبة 20 في المائة، وإعلان شركات كبرى ومتوسطة أنها تعتزم نقل أعمالها خارج حدود بريطانيا في حال تم الانفصال عن الكتلة الأوروبية بلا اتفاق يضمن علاقات طبيعية في المستقبل مع هذه الكتلة.
وأخيرا أظهر مسح بريطاني جديد أن قطاع الخدمات في البلاد شهد هبوطا حادا على غير المتوقع الشهر الماضي. وهذا القطاع على وجه الخصوص يتصدر القطاعات التي تفتخر بريطانيا بقوتها وتنوعها واستدامتها. وجاءت نتائج هذا المسح المهم، حتى في ظل وجود قانون يلزم الحكومة البريطانية بتمديد بقائها في الاتحاد الأوروبي بنهاية الشهر الجاري، إذا ما فشلت المفاوضات مع هذا الاتحاد لتأمين خروج سلس. وهبط مؤشر مديري المشتريات في قطاع الخدمات "وفق المسح نفسه" بصورة كبيرة، ما دفع المديرين إلى اعتباره الأسوأ بين الاقتصادات المتقدمة. يجري ذلك، مع تراجع مستويات قطاعي الصناعات التحويلية والإنشاء، وهذا أيضا يمثل مؤشرا خطيرا للأداء الاقتصادي في البلاد.
وتعترف الحكومة نفسها التي تميل إلى انسحاب بلا اتفاق، بأن هناك اضطرابات قد تحدث حتى على الصعيد الأمني في حال إتمام الخروج بصورة فوضوية، بما في ذلك إمكانية تعرض الإمدادات الغذائية والدوائية للنقص على الأقل في الأشهر الأولى للخروج. بل تؤكد وزارة الداخلية أن انسحابا بلا اتفاق يعرض التعاون الأمني المحوري للخطر مع بقية بلدان الاتحاد الأوروبي. المشكلات كثيرة من جراء انفصال لا يستند إلى معاهدة تنظم مستقبل العلاقات بين طرفين لا يزالان شركاء في كتلة واحدة حتى الآن. ورغم الاتفاق الذي جلبته الحكومة البريطانية السابقة، إلا أنه رفض ثلاث مرات من قبل نواب مجلس العموم البريطاني، لاعتبارات كثيرة، في مقدمتها كيفية حل أزمة الحدود لاحقا بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عند المنطقة الإيرلندية.
انكماش الاقتصاد البريطاني بدأ بالفعل في الأشهر الماضية، وهو مرشح للارتفاع بشكل خطير وكبير في حال اعتمدت بريطانيا أنظمة منظمة التجارة العالمية في علاقاتها المستقبلية مع الكتلة الأوروبية. وهذه النقطة في حد ذاتها دفعت نسبة من الشركات الكبرى إلى التأكيد أنها لا تستطيع الاستمرار في بريطانيا لأنها ستفقد سوقا عالمية كبيرة في حال الخروج بلا اتفاق واضح يضمن مصالح الطرفين، ويدعم الحراكين الاقتصاديين المحلي والإقليمي. حتى اللحظة لا يبدو أن الحكومة التي يقودها بوريس جونسون ستتراجع عن تصمميها على الانسحاب دون اتفاق نهاية الشهر الجاري. لكن هذا التصميم يمكن قراءته بأن الحكومة لا تريد أن تظهر ضعفها في الوقت الراهن، وستحاول بشتى الوسائل تحميل الاتحاد الأوروبي مسؤولية فشل المفاوضات الراهنة معه.
في الأسابيع الثلاثة المقبلة ستكون هناك تحولات كبيرة على صعيد انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، بينما ترجح التوقعات طلب لندن من بروكسل تمديد بقائها في الاتحاد، لإفساح المجال أكثر لجولات من المفاوضات قد تنجح في التوصل إلى اتفاق ينتظره الجميع، وعلى رأسها القائمون على المؤسسات والشركات الكبرى المحركة للاقتصاد البريطاني نفسه.

إنشرها