Author

زمجرة المخاطر تتصاعد على الاقتصاد العالمي

|

عندما تبدأ معدلات النمو في التراجع فإن أمرا ما يسير بشكل خاطئ، ذلك أن مؤشر النمو الاقتصادي يشبه إلى حد ما مؤشر كتلة الجسم، فإذا كان مؤشر كتلة الجسم ينمو فإن هذا الجسم ينمو ويعيش، والعكس صحيح فإذا لم يحقق مؤشر الكتلة نموا فإن الجسم يكون قد توقف عن النمو ويتجه حتما نحو الشيخوخة أو المرض. وإذا كانت مؤشرات النمو العالمي اليوم تدل على تراجع من 3 في المائة إلى 2.8 في المائة فإنه على الأقل لا يزال ينمو، ولو بوتيرة أقل، ولكن هذا بقدر ما مطمئن على المدى القصير، إلا أنه ينذر بخطر في المديين المتوسط والطويل، فعندما تبدأ معدلات النمو في التباطؤ فإنها ستصل يوما إلى مرحلة الركود، ثم الانكماش (الشيخوخة)، ومع الشيخوخة تضعف قدرات النظام الاقتصادي على معالجة المشكلات التي تتفاقم عليه وستقتله حتما ما لم يتحرك النظام العالمي كوحدة واحدة لحل المشكلات القائمة حاليا. ما يميز الاقتصاد عن الجسم الحيوي قدرته على تجديد ذاته شهرا بعد شهر، فالشباب الذي يلتحق بالوظائف كل لحظة، وساعات العمل التي تضيف للعالم منتجا جديدا هي في مجملها ضمانات قائمة للنمو. لكن هذا النمو العالمي مرتهن بشكل لا يمكن الخلاص منه بمفاهيم العولمة والحرية التجارية وإزالة الحمائية ضد تنقل السلع، فإذا لم نحقق هذه الشروط فإن زيادة عدد السكان في العالم ستضيف أعباء أكثر مما تضيفه من ساعات الإنتاج، والأمر يشبه مزيدا من الترهل في جسم خامل تتم تغذيته وهو لا يعمل شيئا. ولهذا فإن عددا متزايدا من المحللين الاقتصاديين في العالم ينضمون إلى المتشائمين بشأن الاتجاه إلى حالة الركود، والمقلق هو توقعهم القريب لذلك الركود، وفي رأيهم الذي رصدته "الاقتصادية" فإن التوترات التجارية تزيد من صعوبات نقل السلع وبالتالي تتفاقم مشكلة تكدس البضائع وتضعف ضمانات زيادة وتيرة الإنتاج، كما أن الفوضى النقدية في العالم بسبب حرب العملات وتزايد وتيرة إنتاج عملات رقمية تقود هي الأخرى إلى انخفاض الثقة، وتعود النظريات القديمة للعمل مثل فكرة أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق، وفي نهاية هذا المسار يصبح الاستثمار نادرا جدا، والحصول على وسائل الإنتاج أو تجديدها أمرا صعبا، ويتباطأ النمو حتى الركود. وإضافة إلى كل ذلك، تظهر الديون العالمية كالكابوس المفزع، ففي عام 2017 بلغ إجمالي ديون الاقتصادات النامية معدلات غير مسبوقة، إذ لامست 190 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفعت نسبة ديون القطاع الخاص في تلك البلدان من 79 في المائة من إجمالي الديون عام 2008، إلى 139 في المائة 2017، والكل ينتظر سيناريوهات الفشل في سداد الديون، والإفاقة من حلم التيسير الكمي والسياسات النقدية، ولا أحد يعرف على وجه الدقة كيف ستتم تلك الإفاقة مع حكومات وشركات أدمنت القروض، وأسواق وصناديق خاملة أدمنت الفوائد القليلة المخاطر. ويرى المحللون أن الركود قادم مع وصول الجميع إلى نقطة لا يمكنها دعم أي زيادة في الإقراض والاقتراض، بينما الفوائد لا تفسر أي قرار استثماري إضافي.
لكن لماذا يبدو كأن الصين والولايات المتحدة بل الجميع لا يصغي لكل هذا، فالقرارات الأمريكية تتوالى بشأن فرض رسوم جمركية، وكان آخرها على البضائع التي تستوردها من الاتحاد الأوروبي بقيمة 7.5 مليار دولار، وبين ليلة وضحاها تحول الصراع الأمريكي- الصيني من حرب تجارية، إلى حرب عملات، كما أشارت "الاقتصادية" في عدة تقارير سابقة فإن انخفاض اليوان الصيني إلى أدنى مستوى له في 11 عاما، يوضح أن قلق الاقتصاديين لم يجد آذانا صاغية. وبينما تعتقد أمريكا أن الصين تعمدت ذلك فإن الصين ترى أن انخفاض اليوان ردة فعل طبيعية للأسواق على إعلان الرئيس الأمريكي فرض تعريفة جمركية بنسبة 10 في المائة على الواردات الصينية. فهل وصلنا إلى مرحلة تفعيل وتنشيط آليات الاقتصاد ولو قسرا لتبرير القرار السياسي؟ وبينما يرى كل طرف أن قرارات الطرف الآخر عدوانية وليست حمائية فإن الخاسر الأكبر سيظل هو النمو الاقتصادي، ذلك أن تزايد التهديدات العالمية والعدائية التجارية يجعل المستثمرين يبحثون عن ملاذات آمنة وهذا هو أسوأ مؤشرات التباطؤ وأعنفها، فقد بدأت العواصف تهب على الأصول مع انخفاض أسواق الأسهم بنسبة 3 في المائة في يوم واحد، كما انخفض عائد سندات الخزانة لأجل عشرة أعوام إلى 1.74 في المائة، وبدأت الحركة الإيجابية في أسواق الذهب تتصاعد، بينما هي تحطم مستويات قياسية تزمجر أيضا في وجه النمو الاقتصادي العالمي وتهدده بقوة.

إنشرها