Author

الاقتصاد الوطني .. من الملك عبدالعزيز إلى الملك سلمان

|

يلاحظ المراقب والمتابع لتاريخ الاقتصاد الوطني في المملكة أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يولي ملف الاقتصاد الوطني اهتماما ربما يفوق غيره من الملفات المهمة الأخرى.
وإذا جازت المقارنة، فإننا نلاحظ أن الملك عبدالعزيز - يرحمه الله-، وهو المؤسس للاقتصاد السعودي، كان يعطي الاقتصاد الوطني فائق اهتمامه، وكان يتابع بنفسه كل صغيرة وكبيرة لها علاقة بتطوير موارد الاقتصاد الوطني، وكان بحسه المرهف يتوخى من الاكتشافات البترولية التي تعرضت للفشل في البداية خيرا كثيرا على مستقبل البلاد، ولذلك كان، رحمه الله، حريصا على رعاية المشاريع البترولية صغيرها وكبيرها، وكان يضع بنفسه حجر أساسها ثم يرعى حفلات تشغيلها.
ورغم أن السوق البترولية تعرضت لأزمة نتيجة اندلاع الحرب العالمية الثانية، إلا أنها استعادت عافيتها بعد الحرب، حيث شهدت سوق البترول السعودي ازدهارا لم يسبق له مثيل، فقد زاد الطلب على البترول، وزادت الكميات المنتجة، كما زادت بشكل ملحوظ الاكتشافات البترولية. ومنذ منتصف الأربعينيات الميلادية بدأ الاقتصاد الوطني السعودي يشهد نموا هائلا في جميع قطاعاته، وأخذت معدلات التنمية الوطنية تحقق أرقاما عالية، وبعد أن كان إنتاج المملكة في عام 1936 يساوي 19777 برميلا، قفز في عام 1949 إلى 144,852,766 برميلا، وبينما كان دخل المملكة من البترول في عام 1939 يقدر بمبلغ 166,890 دولارا أصبح في عام 1949 يقدر بمبلغ 66 مليون دولار، إلى أن وصل في عام 1953 إلى مبلغ 226 مليون دولار.
ومنذ أن أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الأمر الملكي بإنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كانت وجهة الملك سلمان هي تحويل الاقتصاد من الاعتماد على المورد الواحد "البترول" إلى اقتصاد متنوع الموارد، معتمدا على الطاقة البديلة، ومعتمدا على السياحة، ومعتمدا على الصناعة، ومعتمدا على المعلومات، وعلى مبادئ الاقتصاد الرقمي.
إن تقنية المعلومات هي التي نقلت الصين والهند وكوريا واليابان من دول غائبة عن ركب الحضارة، إلى دول مرشحة لقيادة الاقتصاد العالمي.
ويتوقع المراقبون الاقتصاديون أن يكون ثلاثة من أكبر أربعة نظم اقتصادية في العالم خلال الـ20 عاما المقبلة موجودة في آسيا، وهو ما يؤكد صحة المقولة التي تترد حاليا بأن القرن الـ21 سيكون آسيويا وصينيا بالتحديد.
ولا شك فإن التوجه إلى بناء علاقات اقتصادية عميقة مع دول مرشحة لقيادة الاقتصاد العالمي يصبح أمرا بالغ الأهمية ويدل دلالة واضحة على عبقرية سعودية تستهدف وضع الاقتصاد السعودي جنبا إلى جنب مع الدول المرشحة لقيادة الاقتصاد العالمي في عصر العولمة.
ولذلك فإن القراءة الصحيحة للمسيرة الاقتصادية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تؤكد أن المجلس الاقتصادي يريد أن يأخذ المجتمع السعودي من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع رقمي وصناعي، ويريد أيضا أن يدفع الاقتصاد السعودي ليتربع جنبا إلى جنب مع دول تتقدم اقتصاديا بشكل لافت وملحوظ .
ولعل المراقب وهو يتابع برامج "رؤية السعودية 2030" يتساءل: لماذا لا تصبح المملكة قوة اقتصادية واعدة ؟ لقد كنا نحتاج إلى إرادة سياسية، والآن الإرادة السياسية تقود مسيرة الاقتصاد السعودي الجديد، وهو اقتصاد رقمي وصناعي. وأغتنمها فرصة لأرجو من كل السعوديين أن يتابعوا ويشاركوا باهتمام برامج تنفيذ "رؤية السعودية 2030"، كما أرجو من رجال الأعمال أن يستبقوا الأحداث ويتابعوا ويشاركوا الدولة وهي تحرص كل الحرص على تنفيذ برامج "رؤية السعودية 2030".
باختصار إننا نعيش مرحلة التحول من اقتصاد تقليدي إلى اقتصاد رقمي، وهي المرحلة نفسها التي مر بها الاقتصاد الوطني السعودي حينما كان الملك عبدالعزيز، يحاول تغيير الاقتصاد السعودي الكلاسيكي إلى اقتصاد يقوم على موارد البترول.
وإزاء ذلك نرجو من وزارة التعليم أن تدرس برامج "رؤية السعودية 2030" للطلاب في المدارس والجامعات حتى تكون "رؤية السعودية 2030" هدفا للتغيير عند كل السعوديين، وتؤكد عليهم أن يولوها كامل اهتماماتهم، بل نرجوهم أن يدرسوا جيدا ملف الاقتصاد الوطني، ففي هذا الملف معرفة أساسية بالتحول التكنولوجي والصناعي المنتظر للمملكة، وفي هذا الملف مجموعة من المشاريع العملاقة بدءا بمشاريع نيوم التي تتكلف مليارات الدولارات، إلى مشاريع المدن السياحية على البحر الأحمر، إلى مشاريع المدن الترفيهية في منطقة الرياض، وما يتبع ذلك من تغييرات بنيوية في هياكل الاقتصاد الوطني الذي بدأ يستشرف مستقبلا واعدا بإذن الله تعالى.
إن عبارة "تنويع مصادر الدخل" لم تعد ديكورا في مقدمة التطوير للاقتصاد الوطني، وإنما هي مجموعة من المشاريع العملاقة التي بدأ الاقتصاد الوطني يتعامل معها بنجاح مذهل، ويدخل عصر ما يسمى بالاستثمارات العالمية الكبرى.
وخلاصة القول إن الاقتصاد السعودي يعيش مرحلة انتقالية مهمة تهدف إلى تطوير موارد الدولة وتغيير جلد الاقتصاد وتحويله إلى اقتصاد وطني عملاق يقوم على المعلومات، وعلى التقنية الرقمية، وعلى الإبداع والابتكار.

إنشرها