Author

جهود سعودية لاستدامة إمدادات الطاقة

|

لعل أهم رسالة يمكن قراءتها من اجتماع العالم في منتدى وفعاليات أسبوع الطاقة المنعقد في العاصمة الروسية موسكو، أن الطاقة وأمنها يمثلان قضية عالمية كبرى اليوم، ومن خلال استعراض أهم المحاور التي نوقشت نقرأ أمن الطاقة واستدامتها، ومن اللافت أن انعقاد هذا المنتدى العالمي قد أتى بعد الهجمات العدائية التي قادتها إيران ضد مواقع إنتاج النفط لشركة أرامكو في السعودية، وهو ما تسبب في فقدان 5 في المائة من الإنتاج العالمي في يوم واحد، وتسبب في ارتفاع الأسعار بشكل حاد. ولولا الجهود الكبيرة للحكومة السعودية وبإشراف مباشر من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده ووزير الطاقة ما استطاع العالم التقاط أنفاسه أمام هذه الكارثة، التي تبين للعالم من خلالها إلى أي درجة يعد النظام الإيراني مهددا خطيرا لاستدامة الطاقة، وسلامة الإمدادات العالمية، واستقرار الاقتصاد العالمي. وإذا كان الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة أكد خلال أعمال المنتدى العالمي للطاقة أن المملكة قادرة وجاهزة للوفاء باحتياجات العالم من النفط، فإن في هذا دلالة قاطعة على حرص المملكة الشديد جدا على أمن واستدامة إمدادات الطاقة لجميع شعوب العالم، وأنها الشريك الأمثل الذي يمكن الوثوق به دائما.
لقد جاء عنوان الجلسة الرئيسة لمنتدى الطاقة بعنوان "المحافظة على الترابط في مجال الطاقة في عالم غير مستقر"، وهذا العنوان يدل على مدى القلق الذي أصاب العالم من جراء الاعتداءات الإيرانية، ولقد جاءت كلمة وزير الطاقة لتضع العالم أمام حقيقة الحدث، فالعودة بهذه السرعة تدل على حرص المملكة؛ لكن يجب ألا يفهم منها أن الحدث كان سهلا، وأن إيران يمكنها التملص من العقاب، وهنا نقتبس كلمات وزير الطاقة وهو يسأل العالم من خلال المنتدى "سواء أولئك الحاضرين هنا أو من يسمعونني الآن، عن أي دولة وأمة وشعب في العالم بأسره يمكنه التغلب على مثل هذا التحدي الذي لم يشهد أي مكان آخر في العالم مثيلا له، فعندما تخسر ما يزيد على نصف طاقتك الإنتاجية، وعندما تخسر 5 في المائة من إمدادات العالم النفطية، والأهم من هذا عندما تتمثل المحاولة في جعلك تخسر سمعتك باعتبارك موردا موثوقا وآمنا ومستقلا للنفط"، فالتحدي كان هائلا جدا، وإذا كان العالم الآن ينعم بالاستقرار فإن ذلك بسبب الجهود الضخمة للمملكة حكومة وشركات، ويجب ألا يعمي هذا الاستقرار الأبصار عما حدث من إيران ومآلاته الخطيرة لو لم تتدخل المملكة بكل هذه القوة.
السعودية دولة تدرك تماما ما عليها، ولقد سعت إلى إعادة بناء هيكلة السوق النفطية وأُنتِجت مجموعة "أوبك +"، بعد أن أدركت المملكة أنه لا يمكن لاقتصاد الطاقة العالمي أن ينهض دون "أوبك"، ولا يمكن لـ"أوبك" وحدها أن ترتب حالة السوق النفطية، وكما أكد وزير الطاقة أن هذا التحالف حقق الاستقرار لأسواق النفط، وأصبح من الصعب التلاعب بالأسواق طالما هذا الحلف فعال ومنتج، وأن هذا الإنجاز التاريخي العالمي سيجذب هذه الاستثمارات، وسيحقق الاستقرار للنظام المالي، لتمكين الاقتصاد العالمي من الازدهار والنمو. هنا نؤكد أن هذا الاستقرار الذي جاء من خلال ضبط العلاقات والتشابكات في السوق النفطية بين المنتجين والمستهلكين كافة، جعل إيران ومن حولها في وضع مضطرب، فالعقوبات المفروضة على إيران أصبحت لا تشكل عبئا على الاقتصاد العالمي، الذي يمكنه الآن التخلص تماما حتى من إنتاج إيران، ولهذا لجأت إيران إلى تهديد الاقتصاد العالمي من خلال سلوك عدواني بحت. وبينما يقول الرئيس الروسي بوتين "إن أسعار النفط عادت إلى المستويات الحالية عقب الهجوم على المنشآت النفطية في السعودية، لأنه لا توجد عوامل أساسية تبرر حدوث تقلب حاد في السوق"، ويذكر أمين عام "أوبك"، أن "السعوديين أظهروا للعالم أنهم مصدر يمكن الاعتماد عليه في إمدادات النفط"، فإن على الجميع إدراك أن المملكة قد تحملت وحدها وعن العالم أجمع تكلفة هجمات إيران، لكن هذا لا يعني أن العالم يبقى في موقف المراقب، بل يجب عليه تحمل مسؤولياته.

إنشرها