Author

في الشأن التعليمي .. المناهج

|

تناولنا في مقالين سابقين إعداد المعلم، والبيئة المدرسية بكونهما ركنين أساسين في العملية التعليمية، ونتناول في هذا المقال ركنا ثالثا في العملية التعليمية ألا وهو المنهج الدراسي، ولعل من المناسب الإشارة إلى التعريف المتداول للمنهج حيث يعده البعض المادة الدراسية، أو المحتوى الذي يقدم للطالب في كتاب، أو مذكرة، أو محتوى إلكتروني، أو أي وسيلة أخرى، إلا أن البعض يرى أن هذا التعريف مختزل، ويرون أن المنهج أشمل، وأعم، فبجانب المادة العلمية تدخل طريقة التدريس، والمعلم، والبيئة المدرسية، وكل الأنشطة التي تحدث في المدرسة، على اعتبار أن كل هذه العناصر تؤثر في المتعلم من نواح عدة.
وأيا كان التعريف الذي يتبناه أي منا يلزم التأكيد أن المنهج يفترض أن يحدث تأثيرا لدى المتعلم يشمل اكتساب معارف جديدة، وطريقة تفكير، واتجاهات، وميولا، وسلوكا يظهر على تصرفات الفرد، وتعامله مع الآخرين، وكلما زادت جودة المنهج من صحة معارفه، وحداثتها، وأخذها بمعطيات العصر، ومستجداته؛ كان المنهج جذابا، ومفيدا في الوقت ذاته للفرد، والمجتمع على حد سواء، كما أن أسلوب، وطريقة التعلم، والتعليم المستخدمة لها تأثير بالغ في حب المتعلم، ونهمه لاكتساب المعرفة، وتعامله معها بشكل تحليلي ناقد، وهذا لا يتحقق طالما بقيت طريقة التدريس تلقينية لا تسمح للطالب بالتفكير الحر.
بناء العقول، وطريقة التفكير ليسا بالأمر الهين، بل يحتاجان إلى جهود، وأنشطة، ومواقف تتحدى العقل، وتستثيره، وتزيل الركود الناجم عن فكرة المسلمات غير القابلة للنقاش، خاصة فيما يتعلق بالعلوم الطبيعية، وتنظيم، وشؤون المجتمعات المتغيرة، المتأثرة بما يحيط بها في هذا العالم الفسيح، والبعيد القريب في الوقت ذاته، بفعل التقنية التي جلبت معها، ومن خلالها الغث، والسمين.
المنهج المدرسي عند بنائه لا بد من الأخذ في الاعتبار مجموعة من الأسس، أولها الأساس الفلسفي الذي يمثل الإطار العام الذي تستند إليه العملية التربوية بكاملها، والمنهج بشكل خاص كمرشد، وموجه يرسم الطريق الواجب اتباعه عند بناء المنهج، وتحديد أهدافه، وتحديد مفرداته، ومجالات المعرفة الممكن تقديمها للمتعلمين، فعلى سبيل المثال قد تكون الرأسمالية كفلسفة اقتصادية في الأساس منطلقا فلسفيا تبنى عليه أهداف، وغايات التربية، والتعليم في بلد من البلدان؛ ليمتد أثرها إلى محتوى المنهج الممكن وضعه للمادة الدراسية، كما يمكن أن تكون الفلسفة الاشتراكية موجها للعملية التعليمية، كما حدث في زمن الاتحاد السوفياتي. الإسلام يمثل لدوله أساسا موجها للعملية التربوية، والتعليمية ينير الطريق لصناع المنهج؛ منعا للتيهان، والضياع الممكن حدوثه فيما لو تم تجاهل الدين المقوم الأساس، والمحرك الرئيس لأفراد المجتمع.
عند بناء المنهج لا بد من الأخذ في الاعتبار الأسس النفسية؛ لما للقوانين النفسية من أهمية في ترتيب المادة العلمية، وتسلسلها بما يتناسب مع عمر المتعلم، ومستوى تفكيره، والقدرات العامة لديه، وكذا القدرات الخاصة المميزة له، كالقدرة اللغوية، أو الميكانيكية، أو الرياضية، وغيرها. الأسس النفسية تساعدنا على تحديد الجرعات المعرفية، والطريقة المناسبة لتقديم المعلومة أخذا بمبدأ الفروق الفردية، حسب الاستعدادات، والميول، والرغبات التي يتجاهلها البعض عن عمد، أو جهل. كما أن العرض، وطريقة الإخراج، والأمثلة ذات العلاقة بالواقع، وحياة الناس ذات قيمة نفسية ترفع من دافعية الطلاب وترغبهم في التعلم.
تمثل الأسس الاجتماعية مرتكزا رئيسا تبنى عليه المناهج، ذلك أن ما يمتلكه المجتمع من قيم وعادات، وتقاليد مناسبة، وثقافة عامة يدخل ضمن ما يراعى عند تصميم المنهج، والقيمة في ذلك تتمثل في المحافظة على تماسك المجتمع، وربط الأجيال بهوية موحدة، ذات توجهات بناءة، سليمة، بدل التشتت، والصراعات الناجمة عن انتماءات ضيقة. إن تمثل الفرد لهوية مجتمعه تزيد من قوته، وثقته بنفسه، نظرا لتحقق حاجة الانتماء الضرورية لأي فرد.
الأسس المعرفية للمنهج تتمثل في مراعاة الفائدة المترتبة على المعرفة المتضمنة في المادة الدراسية، وإسهامها في إحداث التغيير المراد، سواء في طريقة التفكير، أو في السلوك، إذ لا يكفي على سبيل المثال لا الحصر أن نحفظ حديث (إماطة الأذى عن الطريق صدقة)، بل من المهم تطبيقنا للحديث في سلوكنا اليومي. قيمة المعرفة تتمثل في أساس نظري جيد وآفاق تطبيق أو تطبيقات جيدة للمعلومة الجديدة، سواء كان تطبيقا مختبريا، أو في الحياة بشكل عام.

إنشرها