default Author

الجشع والرغبة في تجميع الثروة «2 من 2»

|


إن الاعتبارات الاجتماعية والوجودية يعتقد البعض أنها من دون جرعة من الجشع، ويفتقر الشخص أو المجتمع إلى الدافع الذي يحثه على المضي قدما. اختصارا: الجشع يحفز على تحقيق إنجازات. ويعتقد البعض أن الجشع ببساطة طريقة الإنسان العاقل في التعامل مع حالة القلق الوجودي للحياة، وقد يكون وسيلة لتخطي فكرة الموت، لأن ممتلكاتنا ستظل موجودة بعد وفاتنا. في ضوء ذلك، أليس الجشع مجرد حقيقة من حقائق الحياة؟ ألا ينبغي علينا أن نقبله؟
يجب أن نقر بأن الجشع كان خلف نجاح عديد من المجتمعات وهناك آراء عن أن الأنظمة السياسية المصممة للقضاء على السلوك الجشع انتهت دائما بالفقر والفوضى والنتائج الكارثية الأخرى. أعتقد أنه كما هو الحال مع معظم الأشياء في الحياة، فإن إدارة الجشع تتمحور حول تحقيق التوازن. مثله مثل كل الدوافع البشرية التي قد تكون مدمرة، يجب تخفيف الجشع من خلال معايير اجتماعية إيجابية كالكرم، وإلا فإنه سيؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.
بالتالي يعد الجشع ضروريا للنهوض الاقتصادي ومن الإنصاف القول: إن اللهفة نحو المال قد تسهم في تراجع المجتمع، والجشع غير المدروس يكون سببا في دمار النفس البشرية كما ينتشر السرطان في المجتمع. فسلوكنا الاستهلاكي أدى بالفعل إلى إلحاق أضرار جسيمة بالبيئة. لكن انتصار الجشع على التعاطف يؤدي إلى سقوط حضارتنا.
السؤال المطروح هنا: هل يوجد أمل؟ الإجابة: ازدواجية المجتمع حول الجشع جعلت من الصعب علاج الأشخاص الجشعين. ففي النهاية، يرى عديد، الجشع والسمات الأخرى المرتبطة به، مثل الطموح والنجاح المادي، أنها أمر مرغوب وليس اضطرابا عقليا محتملا. فليس من السهل دائما تفسير الضرر الناجم عن الجشع المفرط. كيف نستطيع تفسير أن مساعدة الآخرين هي الطريق الصحيح لتحقيق الذات؟ أو أن نقنع الأشخاص الجشعين أن بإمكانهم فعل شيء حيال شعورهم بالقهر؟ تبقى لدينا الإرادة الحرة وبإمكاننا القيام بالاختيار.
بالعودة إلى سيد، أتذكر كم كان من الصعب إقناعه أن هوسه بالمال ليس بالأمر العقلاني. كان يركز جهده على تجميع مزيد من المال، ولم يدرك أنه يمتلكه بالفعل. والأهم من ذلك، إذا ما كان المال هو معياره للنجاح، لن يكون من المفاجئ أنه سيبقى الشيء الوحيد الذي يملكه.
في حال لم تشعر بالرضا حيال ما تملك، ففي الأغلب لن تكون سعيدا عندما تملك الأكثر. ففي مرحلة ما، طلبت من سيد أن يخبرني عن مستوى الدخل الذي يطمح إليه، وبعد تفكير، أدرك أنه لا شيء سيكون كافيا، وبدأ يدرك كم أساء التصرف مع نفسه والآخرين وحياته.
قضيت بعض الوقت مع سيد في محاولة استكشاف الأمور المخفية والعلاقة بين حالة القلق التي تراوده وتصرفاته الجشعة. فهم بالتدريج أنه كان متعطشا لتقبله لذاته وعلاقات مرضية، ورأى أن بإمكانه كسر السلسلة وأنه يمتلك خيارات.
أحد أصعب المهام بالنسبة للأشخاص الجشعين هي تعلم أن يكونوا أنانيين بطريقة مناسبة. يجب أن يعيروا انتباها لذواتهم الداخلية. ليس ذلك بالأمر السهل كما أظهرت حالة سيد، فهي تتطلب الإصرار والصبر، والتواضع والشجاعة والالتزام. لكن الاستثمار بالذات بإمكانه أن يكون على المدى الطويل دواء الجشع وأشكال أخرى من الإدمان. كما يقول الفيلسوف فرنون هوارد: "تستطيع النجاح في الحياة عندما يكون كل ما تريده حقا، هو كل ما تحتاج إليه حقا".

إنشرها