Author

وطن الروح

|


بالأمس تزينت أرض الوطن، وتوشحت بلباسها الأخضر من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها احتفالا بيومها الـ89. كبار السن ارتفعت أصواتهم بأهازيج العرضة السعودية، وذكريات بعيدة نبشتها ذاكرة عتيقة لماض بعيد يرسم تساؤلا معقودا بعلامة دهشة، كيف تمكن هذا الوطن الذي كان مجرد صحراء تعبث به رياح السموم أن يرسي كل مظاهر الحضارة والتقدم والعلم والحضارة والمدنية خلال هذه المدة الوجيزة من عمر الزمن؟ أما الشباب فقد كانت أرواحهم متوثبة بحماس نحو "رؤية 2030"، حيث يتحقق الحلم، ويصبح المستحيل ممكنا، أما الأطفال الذين تسابقوا لارتداء اللون الأخضر، فقد امتزجت براءة قلوبهم بالتعبير الصادق عن حب الوطن كل شيء بالأمس كان يحكي قصة بداياتها مختلفة، لكن جميع قصصها تشابهت في نهاياتها، حيث عشق الوطن الذي يسكن في العروق.
هناك على تلك الحدود الجنوبية لوطننا الغالي المترامي المساحات، نجد أشخاصا يترجمون لنا الوطنية في أسمى معانيها، لا أهازيج ولا كلمات ولا نشيد ولا شعر ولا تعبير، بل هي فعل وعمل، حيث الوطنية في مفهومهم التسابق نحو بذل الروح فداء للوطن، وامتزاج ثراه الطاهر بدمائهم الزكية. جنودنا البواسل الذين يرابطون بكل شجاعة واستبسال على الحد الجنوبي، هم مفخرة لوطن يزدهي بهم، أما أهاليهم فهم حقا من نجحوا في اختبار الوطنية.. فكل أسرة سعودية جاءها خبر وفاة ابنها مستشهدا سواء كان مرابطا على الحد الجنوبي أو ضمن قوات التحالف.. فإن فخرهما باستشهاده أكبر من حزنهما على فقده، فكم رأينا من والد رغم حزنه على فلذة كبده إلا أن فخره بأنه استشهد دفاعا عن ثرى الوطن الطاهر يسمو على كل شعورا!
إن رأيت جنود وطن ما يتسابقون إلى بذل أرواحهم، فاعلم أن لهم وطنا استطاع أن يمزج ولاءه بدمائهم. يقال "وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه"، وأنا أقول "وطن لا نشعر بقيمته لا نستحق الانتماء إليه " لنجعل الوطن احتفالية يومية نعيشها بجميع تفاصيلها حين نستنشقه أمانا واطمئنانا. حين نشعر بالامتنان لله تعالى لما نرفل فيه من نعم وفيرة. حين ننقش على قلوب أجيالنا عشقه وشغف الانتماء إليه، رغم كل الأذى الذي ناله النبي - صلى الله عليه وسلم - بين رحاب مكة موطنه الأول فقد التفت إليها حين هاجر قائلا: "والله لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت". فلنشكر الله على نعمة الوطن.. فكل فقد قد يعوض إلا فقد الوطن!

اخر مقالات الكاتب

إنشرها