Author

رؤية التكوين .. ورؤية التمكين

|

لم يولد هذا الوطن كبقية الأوطان، بقرار استقلال من مستعمر، بل جمع لبناته الملك المؤسس لبنة لبنة، في ملحمة مشهودة لجمع جواهر هذا الوطن العظيم، فما أجمله من عقد وما أعظمه من وطن! هناك من يرى في وطننا نفطا، أما نحن فنرى فيه أقدس بقعتين، وحاضنة لمستقبل الأبناء، ومثوى للأجداد وأجداد الأجداد. هناك من يرى في وطننا "الغوار"، وما كان حبنا للوطن قائما على ثروة بل على أرض، في أعيننا وتقديرنا ووجداننا، ليس لها مثيل. هنا حاك العرب قصصهم عبر العصور، بإشراقاتها وجاهليتها، وهنا تلقى رسول الهدى رسالته التي أضاءت الطريق، فانطلق بها العرب المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وقد كانوا قبل ذلك بعقود قليلة جماعات متقاتلة.
اليوم لوطننا "رؤية"، و"للرؤية" خط نهاية نصله بعد عشرة أعوام ونيف، ومستهدفات لنحو مائة هدف. نحن مَن اختبرت الصحراء صلابتنا، وجربت الأيام صرامتنا، وتفحصت الشمس اللاهبة يباسة عودنا. ندرك أننا أمام تحد شاهق، علينا أن نحققه في عشرة أعوام، لكنه ليس الأول ولن يكون الأخير؛ فالتحدي الأول كان تحقيق رؤية الملك المؤسس، بنظم فرقتنا في عقد فريد، يوحدنا إخوة نظراء متحابين متأهبين للذود عن أغلى مكسب وأعلى قيمة، ألا هو وطننا الحضن الحاني والدرع الواقية، وما أروعه من وطن! وبعد توحيد الوطن توالت التحديات لدفع الوطن قدما نحو الاستقرار الاجتماعي والرفاهية الاقتصادية، وما كان ذاك أمرا سهلا لبلد مترامي الأطراف محدود الموارد. وحتى بعد أن فاء الله - سبحانه - على بلادنا باكتشاف ثروة النفط، كان الشاغل الأهم للملك المؤسس هو تنمية البلاد وازدهار مواطنيها، وبدأ منذ الأربعينيات الميلادية أكبر جهد للتنمية الاجتماعية - الاقتصادية، ولم ينقطع حتى الآن، ويسعى إلى الاستفادة من الثروة الناضبة في التهيئة لاقتصاد متنوع قادر على الاستدامة، وهذا ما سعت إليه الخطة الخمسية الأولى منذ مطلع السبعينيات: تنويع مصادر الدخل وتنمية الموارد البشرية المواطنة. وإن كانت الخطط الخمسية قد توالت الواحدة تلو الأخرى لتحقيق الهدفين بوتيرة خطية متوالية، وقد صادفتها تحديات من صنوف شتى ليس أقلها تذبذب إيرادات النفط، إلا أن "رؤية المملكة 2030" اتجهت على مدى نحو أربعة أعوام إلى التحول، من منطلق تحقيق التطلعات والتعامل مع التحديات تعاملا جذريا، عبر إعادة هيكلة المالية ورفع كفاءة الإنفاق، ورسم استراتيجيات متخصصة للتنويع الاقتصادي، وإيجاد فرص عمل تتوازن من خلالها سوق العمل عرضا وطلبا.. هذا مسعى لإعادة تمركزنا اقتصاديا واجتماعيا، ولنظم كوامن هذا الوطن العظيم، باستحضار مراكز قوته، وفي المقدمة مورده البشري اليافع المتحرق للإنجاز.

إنشرها