Author

أربعة أيام صعبة على العالم

|
كاتب ومستشار اقتصادي


بالتأكيد لم يكن الأمير عبدالعزيز بن سلمان يتوقع وهو يؤدي القسم وزيرا للطاقة الأسبوع الماضي أن أسبوعه الأول في المنصب سيكون صعبا ومرهقا بالشكل الذي حدث، فمنذ فجر السبت حتى مساء الثلاثاء والعيون تتابع تحركات الأمير، ووكالات الأنباء العالمية تنتظر تصريحا منه يطمئن الأسواق. وللأمانة فقد كان الأمير عبدالعزيز وفريقه من الوزارة و"أرامكو" على مستوى الحدث رغم بشاعته، وكان الأمير حاضرا بالتصريح والزيارة لمكان الحدث والمؤتمر الصحافي بكل ثقة وشفافية وصراحة.
يقينا، ما حدث من هجوم عدائي على "أرامكو" في بقيق وخريص أمر أقلق العالم بأسره، وكان الحدث الأهم والأكبر تأثيرا في اقتصاد العالم خلال الأيام الأربعة الماضية، فقد افتتحت الأسواق أسبوعها صباح الإثنين على ارتفاع بلغ عشرة دولارات ثم انخفض إلى خمسة دولارات للبرميل، وهو أكبر ارتفاع لأسعار النفط في يوم واحد منذ أكثر من 30 عاما، ولا عجب أن يحدث ذلك، فالمملكة هي الاحتياطي الأكبر للنفط في العالم وهي المصدر الأكبر والأكثر موثوقية على مر التاريخ لهذه السلعة.
وبلا شك لو جمعنا أولا: مكانة المملكة كأكبر احتياطي مؤكد وثالث أكبر المنتجين اليوم، وثانيا: مكانة النفط كأكبر سلعة عالمية يفوق حجم سوقها كل أسواق المعادن الأخرى مجتمعة "كمثال: تقدر سوق النفط السنوية بـ1.7 تريليون دولار في مقابل 170 مليار دولار الحجم السنوي لسوق الذهب وهو ثاني أعلى قيمة في المعادن بعد النفط"، وثالثا: حجم "أرامكو" كأكبر شركة في العالم من حيث الأرباح (للمقارنة: بلغت أرباح "أرامكو" في 2018 ما يزيد على 111 مليار دولار في مقابل أرباح بلغت 23.4 مليار دولار لرويال داتش شل و20.8 مليار دولار لإكسون موبيل)، فسنصل إلى أن قلق العالم سواء على المستوى السياسي أو الإعلامي أو الاقتصادي أو الأمني كان مبررا، ولا سيما إذا أخذنا في الحسبان أن الهجوم على معملي "أرامكو" يتزامن مع توقعات ركود يهدد الاقتصاد العالمي يبدأ بعد أشهر قليلة.
عودة لمتابعة ما حدث، ففي فجر السبت 14 أيلول (سبتمبر) أعلنت المملكة تعرض منشأتين نفطيتين تابعتين لـ"أرامكو" لهجوم بطائرات دون طيار ما أدى لحريق في معملي بقيق وخريص. وفي يوم الأحد أعلن وزير الطاقة أن الهجوم على المعملين أدى لتوقف إنتاج 5.7 مليون برميل خام وهو ما يشكل نحو 50 في المائة من إنتاج "أرامكو"، إلا أنه طمأن عملاء الشركة أن جزءا كبيرا سيتم تعويضه من المخزونات.
وفي يوم الإثنين كان الأمير عبدالعزيز يزور ويقف بنفسه على أضرار الهجوم من خلال زيارته المعملين في بقيق وخريص، ويزف خلال المؤتمر الصحافي مساء الثلاثاء بشرى خادم الحرمين الشريفين وولي العهد بعودة إمدادات البترول إلى السوق لما كانت عليه.
بالتأكيد هذا السيناريو السريع لتطويق الحدث وسرعة إصلاح الخلل والشفافية التي أعلنتها مجريات الأمور لم يكن ليحدث لو كان في دولة أخرى غير السعودية. وإن كانت الدول الأخرى تضع احتياطيا لحاجتها واستهلاكها الخاص فإن المملكة خصصت احتياطيا لتلبية احتياجات عملائها فيما لو حصل أي تأخير أو نقص في الإمدادات "لا يعلن حجم الاحتياطي عندنا عادة"، وهو ما جعل المملكة الشريك الموثوق والمضمون دائما واللاعب الأساسي المؤثر في سوق النفط العالمية.
ختاما، رغم بشاعة الحدث، إلا أن الجانب الإيجابي فيه أنه زاد ثقتنا بقدرة "أرامكو" ومسؤوليها وخبرائها واستعدادهم الكامل لمواجهة أي طارئ وسرعة التعامل معه باحترافية وفي وقت قياسي، كما أن الهجوم وما تلاه من أحداث أثبت أن المملكة هي البلد الأهم والأكثر تأثيرا في سوق الطاقة العالمية، كما أثبتت الأيام الأربعة أن المملكة لها مصداقيتها وموثوقيتها في السوق، فبمجرد أن أعلن وزير الطاقة عودة الإنتاج لمستواه قبل الهجوم خلال المؤتمر الصحافي عادت الأسعار أدراجها وكأن شيئا لم يكن.

إنشرها