Author

الاستثمارات الأجنبية .. تدفق اقتصادي متنوع

|

أصبحت قدرة الدول على جذب الاستثمارات إليها من أهم المؤشرات العالمية، إذ إنها مؤشر اقتصادي اجتماعي وسياسي في الوقت نفسه، ولهذا تبذل الدول قصارى جهدها من أجل تطوير وتحسين ترتيبها في المؤشرات ذات العلاقة بالتنافسية العالمية، ذلك أن تحسن بيئة الاستثمار والجاذبية في الاقتصاد يضمنان تدفقا مستمرا من الأموال على شكل مشاريع في جميع القطاعات ويسهمان في معالجة كثير من القضايا الاقتصادية مثل حل مشكلة البطالة، وتوفير منتجات محلية تسهم في تنامي الاكتفاء الذاتي، ورفع نسب المحتوى المحلي، وأيضا زيادة إيرادات المالية العامة من خلال زيادة مداخيل ضريبة الدخل. وهذا في مجمله يحقق للاقتصاد استدامة مع تدفق مستمر من الأموال للمالية العامة لتحقيق التنمية.
وفي خضم المنافسة فإن التحدي الأساس ليس في الحصول على ترتيبات متقدمة في مؤشرات التنافسية أو تحقيق التحسن المستمر في هذه الجوانب، بل في حقيقة تدفق الاستثمارات للاقتصاد، فرغم أن المؤشرات قد تقدم انطباعا جيدا لرجال الأعمال والشركات العالمية، إلا أن الأهمية الحقيقية تكمن في قدرات الاقتصاد نفسه على منح المستثمرين عوائد جيدة.
تظهر قدرات الاقتصاد السعودي في مجال جذب الاستثمارات من نواح عدة فهو يتمتع بمزايا نسبية خاصة تجعله جذابا للاستثمارات من بينها الموقع الجغرافي والمنافذ البحرية المهمة وكذلك توفير الطاقة واللقيم لكثير من الصناعات، كما تتوافر أيد عاملة ماهرة وأيضا قوة شرائية. ولهذا فإن أي جهود تبذل لتطوير مكانة المملكة وترتيبها في التنافسية العالمية يأتي أثرها مضاعفا في نمو وتدفق الاستثمارات الأجنبية، فإذا كانت التقارير تشير إلى أن السعودية حققت قفزة نوعية في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2019 بتقدمها من المرتبة الـ39 إلى المرتبة الـ26، كما احتلت المرتبة السابعة بين مجموعة دول العشرين G20 متفوقة على اقتصادات متقدمة في العالم، مثل كوريا الجنوبية واليابان وفرنسا وإندونيسيا والهند وروسيا والمكسيك وتركيا وجنوب إفريقيا والبرازيل والأرجنتين. وتحسن ترتيب المملكة في ثلاثة محاور، هي محور الكفاءة الحكومية من المرتبة الـ30 إلى المرتبة الـ18، ومحور كفاءة الأعمال من المرتبة الـ45 إلى المرتبة الـ25، ومحور البنية التحتية من المرتبة الـ44 إلى المرتبة الـ38.
وجاء أثر هذا العمل مباشرة في بيانات منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" حيث تصدرت السعودية دول الخليج والدول العربية في معدل نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة واحتلت المرتبة الثانية بين أفضل الوجهات الاستثمارية في العالم لعام 2019، كما أشارت بيانات هيئة الاستثمار السعودية إلى أن الاستثمار الأجنبي مقاسا بعدد الرخص الاستثمارية ارتفع حتى بلغ 291 رخصة جديدة خلال الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بـ143 رخصة في الفترة نفسها من عام 2018، بنسبة ارتفاع 103.5 في المائة، وزيادة قدرها 148 رخصة، كما حقق قطاعا "التمويل والتأمين" و"الرعاية الصحية" قفزة كبيرة بنسبة 600 في المائة خلال الربع الثاني من العام الجاري ثم جاءت قطاعات "البناء" و"الاتصالات والمعلومات" و"التصنيع". وهذا يدل على أن الجهود التي بذلت لتطوير البيئة الاستثمارية وجذب الاقتصاد السعودي للاستثمار بدأت تؤتي ثمارها.
من المتوقع أن تزداد وتيرة هذا النمو في الاستثمارات مع التحسن الكبير الذي بدأ يطرأ على نظام الإقامة خاصة تطبيق نظام الإقامة المميزة الذي يتيح للأجانب التملك الكامل للشركات والعقارات والاستثمار المباشر في الأسهم، إضافة إلى إلغاء الحد الأعلى لتملك المستثمرين الاستراتيجيين الأجانب في سوق المال السعودية. وبالنظر إلى الدول التي تدفقت منها الاستثمارات جاءت بريطانيا كأكثر الدول ضخا للاستثمار الأجنبي في السعودية، تلتها الهند ثم الولايات المتحدة، تلتها الأردن ومصر وفرنسا والإمارات والصين، وهذا تنوع كبير في مصادر التدفق ويشير إلى أنه تدفق اقتصادي بحت وليس تدفقا ذا أبعاد سياسية، ويؤكد متانة وقوة الاقتصاد السعودي ورغبة العالم في الوصول إلى الأسواق السعودية أو من خلال السعودية التي تتمتع بمصداقية وقبول عالميين.

إنشرها