ثقافة وفنون

جولد فينك .. لوحة فنية تقود طفلا إلى عالم الجريمة

جولد فينك .. لوحة فنية تقود طفلا إلى عالم الجريمة

جولد فينك .. لوحة فنية تقود طفلا إلى عالم الجريمة

كثيرا ما ننغمس في روايات معينة، نعيش فصولها وشخصياتها ونعجب بالحوارات أو نتذمر من النهايات، وفي نهاية رحلة القراءة نغلق آخر صفحة، لنحول أحداث هذه الرواية إلى ذكريات، جميلة كانت أم قبيحة، إنها نهاية وضعت مع نقطة في آخر الفصول وآخر السطور، لكن كيف سيكون الشعور عندما نسمع بأحداثها وحواراتها على الشاشة العملاقة، وعندما تبدأ تلك الشخصيات التي رسمنا ملامحها في خيالنا بالتمايل أمامنا، فالقصة انتقلت من الورق إلى الشاشة، وتجسدت الأحداث في صورة وصوت، لكن هل هذا الأمر يعد مجحفا في حق الرواية أم داعما لها، وهل تستطيع الشاشة ترجمة الرواية بالشكل الصحيح أم أن عامل الوقت والدقيقة يحرق بعض فصولها؟‬
‬البداية في الانفجار‬
جميع هذه الاستفسارات انبثقت مع إطلاق فيلم The Goldfinch المبني على رواية ‬للكاتب ‫دونا تارت، الحائزة جائزة بوليتزر، وبيع منها ملايين النسخ منذ إصدارها في عام 2013‬، حيث ترجم الفيلم 800 صفحة في 145 دقيقة، جاءت جميعها متماسكة ومترابطة، لكن مع وجود بعض الهفوات في نقل المشاهد من الرواية إلى الفيلم.
‫ انطلقت أحداث الفيلم من غرفة في فندق أمستردام، حيث كان البطل ثيودور ديكر - يؤدي دوره الممثل آنسل إيلجورت - يتناول الأدوية ويتجرع المشروبات ويحلم بأن والدته لا تزال على قيد الحياة، ثم تبدأ الأحداث بالتنقل في الزمن بين شخصية ثيو البالغ من العمر 13 عاما - يؤدي دوره أوكس فيجلي - وشخصيته الأكثر نضجا التي نعرفها، الذي نجده الآن مرتبكا ووحيدا وخائفا على مستقبله.‬
وبالعودة الى الماضي تبدأ رحلة ثيو في اليوم الذي يزور فيه متحفا فنيا، فتنفجر قنبلة وتتسبب في مقتل والدته، يغادر ثيو مسرح الجريمة مع لوحة زيتية من القرن الـ17 للرسام كاريل فابريتشز تحمل اسم The Goldfinch.‬

بين الماضي والحاضر
‫أول محطة يذهب إليها هي آل باربورس، وهي عائلة من نيويورك تستقبل الصبي اليتيم، فيحاول ثيو الاندماج في تلك الحياة، لكنه ما أن يبدأ في التأقلم مع حياته الجديدة، حتى يظهر والده لاري - يؤدي دوره الممثل لوك ويلسون - ويأخذ الصبي إلى لاس فيجاس ليتجاهله بعد ذلك تماما، مع انغماسه في المشروب والمقامرة وصديقته الجديدة زاندرا - تؤدي دورها الممثلة سارة بولسون.‬
وهنا يبدأ الفيلم في التنقل بين الماضي والحاضر، فيصادق ثيو الصغير مراهقا أوكرانيا غريب الأطوار يدعى بوريس - يؤدي دوره فين وولفهارد - ويتعاطى الصديقان المخدرات ويدعمان بعضهما بعضا خلال الأوقات الصعبة، في حين يتحول ثيو في الزمن الحالي إلى تاجر تحف ناجح، ويعتقد أنه عثر على الحب مع كيتسي باربور - تؤدي دورها ويلا فيتزجيرالد.‬

السر في اللوحة‬
‬أصبحت اللوحة مصدرا فريدا للأمل بالنسبة إلى الصبي اليتيم، بينما ينحدر إلى عالم الجريمة، وهي الوحيدة التي تربط‫ بين الفترتين الزمنيتين، حيث إنها الشيء الثابت الوحيد في حياة ثيو، فتربط الفتى مع بوريس، وتساعد على دخوله إلى عالم الفن، ويُكْشَفُ عن كثير من الأمور من خلال اللوحة، حيث تصور طائرا مقيدا بوعاء طعامه بشكل شبيه جدا بالطريقة التي تقيد بها ثيو بتلك المأساة في ماضيه.‬
في هذه اللوحة تظهر رسالة الفيلم الذي تتنقل أحداثه بين نيويورك ولاس فيجاس وأمستردام، حيث يمثل الفن والمكائد الموضوع الرئيس، مع تحدي سرقة اللوحة مفاهيم الملكية، ‬كما تسلط الضوء على أهمية الفن للإنسان والمستقبل، والتأثير العميق الذي يمكن أن تغرسه قطعة فنية واحدة في حياة فرد بعينه والمجتمع ككل، إلى الأفضل والأسوأ على حد سواء، حيث وضعت هذه اللوحة ثيو في جميع المواقف التي تعرض لها من أعماق الاكتئاب، إلى ضباب إدمان المخدرات وعالم الجريمة والسرقة، إلى التعلق الخانق بالأصدقاء والعائلة، إلى الهوة السحيقة الدائمة في روحه التي خلفتها وفاة والدته.
‫إضافة الى ذلك إن هذه اللوحة تترجم الحب الذي بين ثيو ووالدته التي توفيت وكانت شغوفة بالفن، ونقلت هذا الحب إلى ابنها، وفي النهاية هذه اللوحة هي التي جعلته يرى الجمال في الحياة، حتى في أسوأ حالاتها، وفي أحد السيناريوهات يقول ثيو "كانت اللوحة هي السر الذي رفعني فوق سطح الحياة، ومكنني من معرفة من أنا".‬
‫‬‬أداء الممثلين جيد‬
نجح الممثل أوكس فيجلي في التقاط شخصية ثيو الصغير، حيث يلوم الفتى نفسه على مقتل والدته، لكن آنسل إيلجورت لا ينجح في تقديم المستوى نفسه من الأداء في دور الشخصية الأكبر سنا، فيشبعها بالسحر والروعة، لكنه أقل إقناعا عندما يحل الظلام، لكن هذا ليس خطأ إيلجورت بالكامل، ففي الرواية نتمكن من معرفة ما يدور في عقل ثيو ونسمع مونولوجا داخليا مليئا بشعور الذنب والتعليقات الساخرة والملاحظات الذكية، لكن هذه المعلومات غالبا ما تكون مفقودة على الشاشة، ما يحول الشخصية إلى بطل سلبي محبط.‬
من ناحية أخرى تقدم نيكول كيدمان أداء أنيقا ومليئا بالحدة في دور والدته، في حين يضفي جيفري رايت لمسة من الدفء في دور معلم ثيو في مجال التحف، ويلعب لوك ويلسون وسارة بولسون دور عائلته البغيضة في لاس فيجاس في أداء ملائم جدا. وفي حين لا يتمكن فين وولفهارد من أداء اللهجة المطلوبة في دور بوريس الصغير، إلا أن أنيرين بيرنارد يعوض عن ذلك في دور الشخصية البالغة، وبالتالي يتألق الفيلم في الفترة الوجيزة التي يظهر فيها على الشاشة.‬
من جهته يمنح المخرج جون كراولي الأحداث ميزة ملاءمتها لكل الأزمنة، فعلى الرغم من حقيقة أن الفيلم تجري أحداثه بين الزمن الحالي والماضي القريب، إلا أنك تشعر بأن القصة يمكن أن تجري في أي وقت من الأعوام المائة الماضية، لكن بسبب تغييره بنية الرواية وإلغاء مسألة سرد الأحداث، يضيع الكثير في رحلة تحويل الرواية إلى فيلم.‬

‬الكتاب أم الفيلم‬
‬‫في الكتاب تعايش أندي مع ثيو بطريقة سلسلة من بداية اللقاء، في حين إنه في الفيلم استغرقا بعض الوقت ليتعايشا مع بعضهما بعضا، فكأنهما كانا محرجين من بعضهما بعضا.‬ ‬‫في الكتاب تحدث شخص يدعى ويلتي إلى ثيو وأعطاه خاتما قبل أن يلقى حتفه في التفجير، وهذا الخاتم فيما بعد ساعد ثيو على تذكر بعض الأحداث التي قادته إلى مخزن التحف، وهو المكان الذي التقى فيه هوبي، في حين إنه في الفيلم لا يوجد أي مؤشر يدل على أن ثيو نسي بعض الأحداث، بل ظهر ثيو وهو يشرح عن الخاتم عندما وجد باربور.‬
‬‫يصور الكتاب حياة ثيو بعدما غادر منزل والده في لاس فيجاس وذهب للعيش مع هوبي في نيويورك، ودخوله المدرسة وتعرفه على هوبي وبيبا ودرس فن التحف، في حين إن الفيلم لم يأت على ذكر هذه التفاصيل.‬
‬‫معظم التغييرات التي حصلت في شخصية بوريس ما بين الكتاب والفيلم هي نتيجة احتواء الكتاب على تفاصيل أكثر، على سبيل المثال في الكتاب والد بوريس يتنقل في شخصيته ما بين الحب والعنف، في حين إنه في الفيلم لم يظهر إلا بمظهر القسوة، أيضا الفيلم لم يتطرق إلى توتر العلاقة بين ثيو وبوريس، بسبب ظهور حبيبة بوريس التي تدعى كوتكو.‬
‬‫في الكتاب ثيو يذهب إلى الفندق في أمستردام يائسا بسبب عدم قدرته على استعادة اللوحة، ويبدأ في تعاطي المخدرات، في حين إنه في الفيلم لا توجد مخدرات، بل ثيو يأخذ الحبوب.‬
‬‫في الكتاب ثيو يفكر في قتل نفسه لكن بوريس يتدخل لمنعه من ذلك، لكن في الفيلم ثيو يتناول حبوبا للانتحار، لكن بوريس يجده في الفندق وينقذه.‬
على الرغم من محاولة المخرج جون كرولي والمؤلف بيتر ستروجان الذي كتب السيناريو اقتباسا من رواية للكاتب دونا تارت، إلا أن الفيلم لم يجسد تفاصيل الرواية كافة، ما يؤكد أن للكتاب والرواية أهمية لا يضاهيها أي عمل فني.‬‬
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون