Author

دبلوماسية إيران الكاذبة

|
كاتب اقتصادي [email protected]

"إيران دولة ترعى الإرهاب وسياستها خطيرة في الشرق الأوسط" دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة

عنوان هذا المقال استعرته من كلام أطلقه جورج بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي عقب العدوان الإيراني الخطير على معملين تابعين لشركة "أرامكو" في السعودية. والمسؤول الأمريكي أطلق هذا التوصيف على إيران في إشارة واضحة إلى أن "نغمة" طهران الدبلوماسية الأخيرة عن حوار ممكن مع الولايات المتحدة تحمل فضيحتها معها. أي إن الإدارة الأمريكية تفهم تماما هذه السلوكيات الإيرانية، التي تأكدت بصورة واضحة عبر العدوان الإيراني المباشر الأخير على المملكة. لا يوجد دليل واحد على أن العدوان انطلق من اليمن عبر الحوثيين، وهذا أيضا ما أكده بومبيو عقب العدوان المشار إليه. مع ضرورة تأكيد أنه لو استطاع الحوثيون تدمير عشرات الأهداف في المملكة مرة واحدة لن يترددوا لحظة، بل سيقومون بذلك ويطلقون الاحتفالات بعدها.
لست بحاجة إلى جهد للكشف عن الدبلوماسية الإيرانية الكاذبة فتاريخ نظام علي خامنئي يتحدث عن نفسه، ويوفر لك كل "الاكتشافات" الفاضحة. والحق إن هذا النظام الذي يقدس "التقية"، ويعدها جزءا من صلابة "الإيمان" لا يخفي استراتيجية الخراب التي يتبعها، ولا يتستر على التنظيمات والعصابات التي يمولها بأدوات مختلفة. وتدخلاته في عدد من البلدان العربية معروفة بمصائبها وظلمها وخرابها أمام الجميع. وهو يفتخر بما حققه فيها. المشكلة اللافتة حقا، أن هناك حكومات لا تزال تترك المجال مفتوحا أمام إمكانية الحوار مع النظام الإيراني، على الرغم من أنها تعرف أن هدفه الأول والمفضل يبقى المواجهة، ولا بأس من عملية إرهابية هنا وتدخل عسكري هناك وتمويل تنظيم سري في منطقة ما لتعزيز ذلك، طالما أن مثل هذه الحكومات موجودة على الساحة.
عطلت حكومات الاتحاد الأوروبي بعضا من أدوات العقوبات المفروضة على النظام الإيراني. والتزامها الحالي بجانب من هذه العقوبات لا يرجع إلى قناعتها بضرورة فرضيتها، بل لخوفها من الغضب الأمريكي. فهذه الحكومات لا تستطيع أن تتحمل مواجهة سياسية أخرى مع الولايات المتحدة، بينما تعيش أسوأ علاقاتها مع واشنطن منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. الحكومات الأوروبية قبلت طوال الفترة الماضية حتى الإهانات العلنية من جانب مسؤولين إيرانيين. فبريطانيا، مثلا، أفرجت عن الناقلة الإيرانية التي كسرت العقوبات، في حين ظلت الناقلة البريطانية محتجزة بأيدي الحرس الثوري الإيراني، وكذلك الأمر مع دول كفرنسا وألمانيا وغيرهما، حيث اعتادت على تهديدات مع توصيفات هجومية إيرانية لا تليق بدول أقل منها حجما وقوة ونفوذا.
هذا الصمت الأوروبي على السلوكيات الإيرانية العدوانية، وسع النطاق أمام دبلوماسية إيران الكاذبة، لتكون حاضرة على الساحة. إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي كان واضحا بشكل فاضح، عندما أراد أن تكون قمة "مجموعة السبع" الأخيرة التي عقدت في فرنسا "قمة إيران"، ليس من ناحية حرصه الممل على الاتفاق النووي مع طهران فقط، بل من زاوية اهتمامه البالغ بأن يفتح ممرا لدبلوماسية إيران مع الجانب الأمريكي. واشنطن ليست أكثر دراية بالوضع مع إيران قياسا بالعواصم الأوروبية الأخرى، لكنها أكثر حزما ووضوحا مع نظام يريد أن يأخذ كل شيء دون أن يتقدم بأي شيء. نظام يجهد لتحقيق أحلام تتطابق في أوهامها مع عودة "المهدي المنتظر". نظام يرفض أن يكون جزءا من المنطقة، إلا إذا كان على رأسها! نظام يعاند بكل قواه ليصير عضوا طبيعيا في المجتمع الدولي نفسه!
المثير للسخرية حقا، أن الحكومات الأوروبية تدير ظهرها لكل هذه الحقائق، وتتحرك من أجل بناء حوار دبلوماسي سياسي مع هذا النظام. فهي مثلا تفرض عقوبات على منظمات إرهابية تابعة لطهران، وتقوم في الوقت ذاته باستجداء موقف إيراني دبلوماسي، بل إنها تستجدي حتى تصريحات إعلامية إيجابية من الجانب الإيراني يختفي مفعولها بعد إطلاقها مباشرة. النظام الإيراني عثر منذ زمن على "المفاتيح" الأوروبية هذه، وباشر اللعب على نتائجها. حتى تمكن إلى حد ما من تسويق رغبته المشروطة في الانضمام إلى حوار مع الولايات المتحدة. لكن ما ينفع مع الأوروبيين لا يستقيم مع الأمريكيين. فواشنطن فتحت المجال بالفعل لمثل هذا الحوار، لكن بشرط واحد محوري ليس قابلا للتفاوض، وهو الحوار دون "شرط".
بعد العدوان الإيراني المباشر الأخير على السعودية، أعلنت الإدارة الأمريكية ما تؤمن به بالفعل، وهو أن إيران تمارس الدبلوماسية الكاذبة، وأنها صارت اليوم مكشوفة أكثر فأكثر، وأنها ترغب في اللعب على الحبال المشدودة رغم كل المخاطر الناجمة عن هذا العبث. بعد العدوان الإيراني على المملكة، على الأوروبيين أنفسهم التخلص نهائيا من الدبلوماسية "البلهاء" التي يعتمدونها مع إيران. عليهم أن يفهموا أن حماية اتفاق نووي هش لا تبرر للنظام الإيراني استراتيجيته التخريبية، ولا تدخلاته الفظيعة في بلدان المنطقة، ولا تمويله المفتوح والمفضوح للإرهاب هنا وهناك. مع الدبلوماسية الكاذبة لا تنفع إلا المواجهة.

إنشرها