Author

تصوروا مزايا تشجيع منتجاتنا الوطنية

|


تصوروا لو كافحنا ليل نهار، كباقي شعوب العالم، لدعم وتشجيع منتجاتنا وتذليل العقبات أمام صادراتنا، والتقيد بتنفيذ أنظمتنا، التي أمرتنا بإعطاء الأولوية المطلقة لمنتجاتنا الوطنية في المشتريات الحكومية، وتصوروا لو استفدنا من اتفاقياتنا الدولية، وعلى رأسها اتفاقية انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية، التي منحتنا الحق السيادي لتطبيق اتفاقية الحماية الوقائية على وارداتنا الأجنبية واستثنائها من المنافسات الحكومية، فمهدت لنا الطريق نظاما لشراء منتجاتنا الوطنية مباشرة من مصانعنا، من دون مقارنتها بأسعار ومواصفات مثيلاتها الأجنبية.
تصوروا لو استجمعنا شجاعتنا، مثل دولة تايلاند، التي اعتمدت طيلة تاريخها على استيراد جميع وسائل النقل وقطع غيارها، فوضعت نصب أعينها قبل عقدين من الزمن ضرورة دعم وتشجيع وتوطين صناعة قطع غيار السيارات، لتفتخر اليوم بامتلاك ثلاثة مجمعات صناعية متقدمة، تحتوي على 15 مصنعا للسيارات، وخمسة مصانع للدراجات النارية، و800 مصنع لإنتاج قطع الغيار، شاركت في إنشائها 78 شركة تايلاندية و354 شركة عالمية. جاء هذا النجاح بعد تطبيق تايلاند اتفاقية الحماية الوقائية، لتصبح اليوم ثاني أكبر منتج لقطع غيار الشاحنات الصغيرة في العالم بعد أمريكا، وثالث أكبر مصدر لها في أسواق العالم كافة، فاحتفلت في العام الماضي بأنها أصبحت معقلا لصناعة أكثر من 55 في المائة من قطع غيار السيارات و100 في المائة من قطع غيار الدراجات النارية في المجموعة الآسيوية، ما أدى إلى تصنيف منتجاتها كأفضل أنواع قطع الغيار في الدول النامية، بشهادة منظمة المواصفات والمقاييس الدولية.
وتصوروا لو عقدنا العزم، مثل دولة اليابان، التي تعتمد مصانعها على استيراد 86 في المائة من المواد الأولية، فقررت قبل عقد من الزمن ضرورة الاستفادة من مزاياها التنافسية لدعم وتشجيع إنتاج تقنيات النانو ومعدات الذكاء الاصطناعي، لتفتخر اليوم بأنها تمتلك أسرع حاسوب خارق في العالم، يقوم بنحو 130 ألف تريليون عملية حسابية في الثانية، ويحاكي المسارات العصبية في الدماغ البشري، ليساعد المصانع اليابانية على تطوير صناعات النقل الذكية والروبوتات والتشخيص الطبي. خلال العام الجاري حققت اليابان المركز الأول في صناعة وتصدير الروبوتات بمقدار 28300 روبوت سنويا، تلتها أمريكا بعدد 22410 روبوتات، ثم كوريا الجنوبية بعدد 21400 روبوت. وتُوِّجَ هذا النجاح اليوم ليشكل عدد الروبوتات في المصانع اليابانية 323 روبوتا لكل عشرة آلاف عامل مقارنة بـ30 روبوتا في الصين، و282 في ألمانيا، و152 في أمريكا.
تصوروا لو اتبعنا خطوات ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، التي لم تستسلم لضعف مواردها وترنح اقتصاداتها بعد فشل نمورها الآسيوية، لتقرر قبل عقدين من الزمن تقنين منافسة الواردات الأجنبية لمنتجات تقنية المعلومات، فأصدرت قرارا استراتيجيا بتأمين عشرات الملايين من الحواسب الآلية المصنوعة محليا كل عام لمدة عشرة أعوام قابلة للتجديد، بهدف تزويد طلابها بأحدث الأجهزة والتقنيات، وكان هذا القرار بمنزلة ضمان واضح للمصانع المحلية، التي هرعت لإنتاج هذه الأجهزة، فجاءت النتائج مبهرة حقا. فخلال خمسة أعوام أبدعت هذه الدول في تصنيع أفضل منتجات تقنية المعلومات في العالم، وأسهمت في انخفاض أسعارها بنسبة 35 في المائة، وتراجعت تكاليف إنتاج برامجها بنسبة 50 في المائة، وتضاعفت صادراتها بنسبة 600 في المائة، وارتفعت نسبة توطين العمالة في مصانعها 300 في المائة في ماليزيا و220 في المائة في جنوب كوريا و145 في المائة في سنغافورة.
في جميع هذه الدول وغيرها أثبت المسؤولون عن المشتريات الحكومية أن استثمار كل ألف دولار في صناعتهم المحلية يسهم في إيجاد فرصة عمل لأحد مواطنيهم براتب شهري يعادل 2500 دولار، وأن تصدير كل ألفي دولار من منتجاتهم المحلية يسهم في دعم اقتصادهم بما يزيد على أربعة آلاف دولار. لذا لجأ هؤلاء المسؤولون إلى تفضيل منتجاتهم الوطنية على مثيلاتها الأجنبية، فنجحوا في تنمية صناعاتهم المحلية وأسهموا في زيادة حجم عوائد بلادهم الاقتصادية بحدود عشرة أضعاف المبالغ التي كانوا سيوفرونها لو قاموا بتفضيل المنتجات الأجنبية على منتجاتهم الوطنية، وتؤدي إلى إقفال مصانعهم وتراجع صادراتهم.
تصوروا لو لجأت أجهزتنا الحكومية إلى المفاضلة في منافساتها بين مصانعنا الوطنية من خلال تقييم نسبة السعودة العاملة فيها ومستوى محتواها المحلي وقيمتها المضافة، بدلا من اتهامها بحداثة عهدها واحتكار الأسواق بمنتجاتها، بل تصوروا لو حصلت منتجاتنا الوطنية على المزايا التمويلية والائتمانية المتفق عليها نظاما واللازمة لدعم صادراتنا للوصول بها إلى الأسواق العالمية.
وتصوروا لو فتحت سفاراتنا في الخارج أبوابها لتعريف جميع شعوب العالم بمزايا منتجات صناعتنا الوطنية وصادراتنا التنافسية، ولو قامت هيئة الإحصاء بتوفير المعلومات الحديثة الموثقة والمطلوبة من الأسواق المحلية والأجنبية في أوقاتها وبمختلف لغاتها، ولو قامت أجهزتنا الحكومية كافة بإلزام الشركات العالمية بضرورة شراء منتجاتنا كشرط أساسي للفوز بمشاريعنا، ما يؤدي إلى كسب ثقة المستثمرين بقدرات أسواقنا.
لا تخجلوا من دعم وتشجيع منتجاتنا الوطنية لرفع شأن اقتصادنا، فصناعتنا المحلية هي الخيار التنموي الأمثل الذي يحقق طموحاتنا، ويخفف من اعتمادنا على النفط كمصدر وحيد لدخلنا، ويمنح فرص العمل لمواطنينا، ويضاعف من عوائد صادراتنا.

إنشرها