Author

وهم المعرفة

|

ذلكم عنوان مقال قرأته أخيرا، وهو يجسد المثل المعروف لدينا الذي يقسم الناس إلى أربع فئات منها " من لا يعلم ويظن أنه يعلم ". الاعتقاد الذي ينتشر لدى كثيرين بمعرفتهم نتيجة ما يرسل لهم من رسائل خاطئة أو محاولات تحقيق أرباح من وراء إيجاد هذا الحال الضبابي, يسيء بشكل عام إلى المجتمع الذي ينتظر من كل فرد ما يناسبه من المجهود المبني على المعرفة الحقيقية.

عندما يحافظ الواحد منا على حال محدودة من المعرفة، ولا يعمل على تطوير معارفه وتوسيع اهتماماته، يكون وقع في فخ خطير يؤازره حب الذات والاعتقاد بضرورة الدفاع عن الأفكار والمفاهيم المستقاة والمبرمجة تدريجيا في العقلية البشرية.
كثير من أساتذة الجامعات يعانون وهم المعرفة؛ بسبب عدم قدرتهم على تقبل وجود معارف خارج الكتب والمختبرات التي تحاصرهم وتكون مفاهيمهم بعيدا عن البيئة المنفتحة. أقول هذا بخصوص كثير من الأمور التي لا تقع ضمن مجال اختصاص المختص, لهذا من الصعب على أغلبنا الاعتراف بالجهل في موضوع معين، خصوصا عندما يكون الحديث في الفنون والآداب التي يمكن أن يبحر فيها كثيرون لدرجة أن يوقعوا أنفسهم ضحايا لهذه الفكرة الملوثة التي لا تحقق النجاح ولا توصل إلى النتائج.
ولنا في ديننا وتراثنا الأسوة الحسنة، حيث يمكن أن يقول الواحد عندما لا يعلم، لا أعلم، لأن من قال لا أدري فقد أفتى.
لعل التذكير بأن الصحابة كانوا يتدافعون الفتوى ويبحثون عن المخارج عندما يسألون في مسألة معينة المثال المفيد، رغم أن بعضهم قد يكون لديه من العلم ما يحل به الإشكال، لكن الخوف من عدم الإلمام بالموضوع وملابساته والحكم الدقيق فيه هو ما دفعهم لذلك.
مقارنة هذا الأمر بما نشاهده اليوم من خلافات واختلافات سببها الفتوى في كل العلوم بغير علم، أو الاعتقاد بفوقية الرأي التي يمارسها كثيرون منا، يجعلنا نستعيد الهدوء ونعيد التفكير ونرجع إلى طلب المعرفة، والبقاء على قناعة بأننا لم نبلغ من العلم شيئا يسمح لنا بأن نحارب لإثبات رأي أو تأكيد معلومة قد لا نكون - نحن - واثقين منها، لمجرد محاولة الانتصار في نقاش. العارف هو من يعرف حدوده ويبتعد عن الجدال والنقاش عندما يحتدم الأمر ويتسع الخلاف.

إنشرها