FINANCIAL TIMES

قراءة جديدة نحو إدراك أفضل لمفهوم الشعبوية

قراءة جديدة نحو إدراك أفضل لمفهوم الشعبوية

أمضيت الأعوام الثلاثة الماضية في محاولة فهم أفضل للشعبوية اليمينية، وهي ترفض أن تقف مكتوفة الأيدي أو حتى تخضع للرقابة. فهمت هذا التطرف بشكل أفضل بعد قراءة دراسة جديدة أجراها كاس مود، وهو باحث شهير في الشعبوية في جامعة جورجيا، وكذلك بعد قراءة كتاب الثورة الاستبدادية للمؤرخ الألماني فولكر فايس.
مع ذلك، فإن هذه هي مقالتي على الرغم من أنني استندت إلى سعة اطلاع المؤلفين ومعرفتهم، إلا أنهم قد يختلفون مع بعض الاستنتاجات التي خلصت إليها. في البداية، دعونا نعرف المصطلحات: "المحافظون" هم يمين الوسط التقليديون.
أما "الشعبويون" سواء كانوا من اليمين أو اليسار، فإنهم يزعمون تمثيل "الشعب الحقيقي" ضد "النخبة الفاسدة" في تعريف مود.
من ناحية أخرى، يعد "اليمين المتطرف" أصغرالأحزاب السياسية بصفة عامة، فهو حزب عنيف وغير ديمقراطي فكر في النازيين الجدد وغيرهم من البلطجية في الشوارع.
غالبا ما يتولى أقصى اليمين السلطة باعتبار أنه يمثل ائتلافا شعبويا محافظا بتشجيع من اليمين المتطرف.
دراسة الحالة تمثلت في سيطرة جناح يمثل اتجاهات الشعبوية على الحزب الجمهوري الأمريكي بدعم من "بديل اليمين".
يمنح يمين الوسط ناخبي الائتلاف الاحترام والكلمة السحرية الانتخابية "المحافظ".
بيد أنه مع مرور الوقت، عادة ما يتم تهميش المحافظين، في الوقت الذي تتطرف فيه الحكومة. ما السبب؟
الشعبوية قائمة على الأغلبية: ما إن يتحدث الشعب في الانتخابات أو الاستفتاءات، يجب تحقيق رغبته بسرعة.
يقول مود إن الشعبويين يرفضون المجاملات الديمقراطية مثل "حقوق الأقليات، وسيادة القانون، وفصل السلطات".
ويذكر فايس في كتابه أن السلطويين يرون العالم من منظور "الحالات الطارئة والاستثنائية" التي تحدث؛ وأنه يجب سحق أي شخص يجرؤ على عرقلة "الشعب".
وعلى حد تعبير مود فإن صناع القرار من أقصى اليمين يحذون حذو المجر بشكل متزايد، ففي ذلك البلد استولى حزبها الحاكم: حزب فيدس المحافظ الذي كان يرأسه فيكتور أوربان سابقا، على السلطة القضائية والإعلام، وأنشأ "أول دولة متطرفة شعبوية" في هذا القرن.
المؤيدون لخروج بريطانيا يسيرون على هذا المسار غير الليبرالي: السياسيون الذين ادعوا عام 2016 أنهم يحترمون البرلمان البريطاني، يهددون الآن بتجاهل القانون الذي أقره البرلمان بمنع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.
أصبحت المواضيع الشعبوية مثل الهجرة والإسلاموفوبيا، أي كراهية الإسلام ومعاداة النخبوية مسيطرة على النقاش السياسي، ولذلك تبدو أنها في أمس الحاجة إلى إيجاد الحل. الشعبويون واضحون ومهمون لذلك يغطي الصحافيون أخبارهم.
حتى عندما تكون التغطية حرجة للغاية، إلا أنها ضرورية مثل ضرورة الأكسجين.
الأحزاب التقليدية المنافسة -التي تشعر بالذعر من أن الشعبويين يمثلون "الشعب" حقا- تلجأ إلى تقليد لغتهم.
يحتفظ المتصيدون عبر الإنترنت بالمواضيع الشعبوية على رأس جدول أعمالهم. لذلك فإن "أزمة الحدود" المصنطعة تحظى بالأولوية على تغير المناخ.
عادة ما تثبت الرسائل الشعبوية اليمينية أنها أكثر شيوعا وتأثيرا من رسائل الأحزاب المحافظة.
طوال عقود بعد عام 1945، تخصصت الأحزاب الكبيرة في الغرب في طرح القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
ذكرى الفاشية مثلا منعتها من الترويج للمذهب القومي المناهض للهجرة.
بمجرد أن تلاشى هذا المنع عام 2000، اتضح أنه كان هناك عديد من الأصوات المذعورة والخائفة من ارتداء "البرقع"، أكثر من اقتصاد جانب العرض.
يلتهم الشعبويون الآن شركاءهم المحافظين. لاحظ زوال تحالف يميني كان ضمن الحزب الجمهوري، وحملة تطهير بوريس جونسون لكبار المحافظين، وتحول حزب "البديل من أجل ألمانيا" من كونه حزبا اقتصاديا مشككا في الاتحاد الأوروبي، إلى حزب ينادي بالقومية.
الشعبوية في السلطة تشجع اليمين المتطرف الذي كان سابقا مهمشا وصغيرا.
يلاحظ مود أن عديدا من زعماء أقصى اليمين يتوددون لليمينيين المتطرفين: الرئيس البرازيلي جير بولسونارو يشيد بالحكومة العسكرية، ورئيس آخر يعيد نشر تغريدات متصيدين من اليمين البديل، وحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند الذي ينادي بالقومية الهندوسية، على علاقة وثيقة بجماعة راشتريا سوايامسيفاك سانج" شبه العسكرية، التي تحرض على العنف ضد أديان الأقليات -مسلمين ومسيحيين وغيرهم. في إطارالشعبوية، يروج الصحافيون لليمين المتطرف بطريقة غريبة بما في ذلك ملامح الإعجاب بـ"محبي الفاشية". هذا يساعد على دفع الأفكار اليمينية المتطرفة ضمن التيار السياسي السائد.
إن نظرية مؤامرة "الاستبدال العظيم" المتطرفة التي تنص على أن "النخبة" التي غالبا ما تكون من اليهود، تستبدل المهاجرين بـ"الشعب"، ومن ثم تدعو إلى تطرف الناخبين.
في النهاية، يجب على "الشعب" المقاومة أو الاختفاء.
اليمين المتطرف يخيف الليبراليين والمهاجرين من خلال مظاهرات مثيري الشغب، وتهديدات بالقتل وإطلاق النار على سبيل المرح في كرايستشيرش وإل باسو، والاغتيالات السياسية -جو كوكس البريطاني المؤيد لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ووالتر لوبك ألماني من الحزب الديمقراطي المسيحي.
وفي الوقت نفسه، في عديد من البلدان، تعد أجهزة الشرطة والمخابرات "عوراء عين بواحدة"، كما يقول مود: إنهم مهووسون بالإرهاب إذا تعلق بالمسلمين، لكنهم يتجاهلون الإرهابيين اليمينيين.
هذا الاتجاه قائم منذ زمن طويل ووصل إلى ذروته خلال الأعوام الأخيرة.
المحظورات تنهار عندما تصبح اللغة الشعبوية عادية. عندما أطلق وصف: "المغتصبين" على اللاتينيين عامة والمكسيكيين خاصة عام 2015 كان الأمر صادما.
اليوم بالكاد يلاحظ الناس هذا الأمر. يتعين على الشعبويين الحفاظ على تطرف لغتهم ليستمروا في جذب الانتباه إليهم.
يحمي أكبر قادة العالم اليوم أقصى اليمين في جميع أنحاء العالم. فلماذا لا تتطرف حين تدعمك العواصم الكبرى؟
لذلك أقرت إسرائيل العام الماضي قانونا تعلن فيه أنها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، وهو قرار يحول غير اليهود إلى مواطنين من الدرجة الثانية.
وهناك من الساسة من جعل نفسه راعيا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: لاحظ نصيحة نائب الرئيس مايك بينس الأخيرة إلى أيرلندا: "باحترام" السيادة البريطانية فيما يتعلق بخطة المساندة.
ماذا بعد؟ أحد السيناريوهات يتلخص في أن التطرف مستمر. عودة "أزمة اللاجئين" في أوروبا التي حدثت عام 2015 يمكن أن تعيد نشاط الشعوبية.
يمكن أن يحقق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تضم بلاده 3.6 مليون لاجئ سوري، هذا الأمر بضربة واحدة.
لقد هدد الأسبوع الماضي بـ"فتح البوابات" وإرسال السوريين غربا ما لم تقر واشنطن "منطقة آمنة" للاجئين، التي وعد بها في شمالي سورية. كما أن أي هجمات إرهابية جديدة يمكن أن تشعل دوامة من العنف والتطرف مشابهة لما حدث في جمهورية فايمار.
(الإرهابيون واليمينيون المتطرفون يتغذون على بعضهم بعضا). بدلا من ذلك، هناك سيناريو يدعو إلى التفاؤل: أن تنقرض الشعبوية اليمينية، وهي في الأغلب حركة سياسية للمسنين.
إن الحكومات الشعبوية، بداية من واشنطن ولندن، وصولا إلى نيودلهي وبرازيليا وبودابست ووراسو تزداد تطرفا في ممارسة السلطة، فحذار.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES