default Author

التمويل الإسلامي يتجاوز حدوده ويتفرع بالصكوك «3 من 3»

|


في كثير من مناطق الاختصاص التي تعمل فيها المصارف الإسلامية لا توجد هذه الأطر حتى الآن، وحيثما وجدت يتعين تطويعها لملاءمة التمويل الإسلامي. وفي حالة التأمين على الودائع على سبيل المثال من المهم توضيح مقدار التغطية التي تمتد إلى الحسابات الاستثمارية القائمة على تقاسم الأرباح والتأكد من عدم خلط أقساط التأمين المحصلة من المصارف الإسلامية بالأقساط المحصلة من المصارف التقليدية. ويتعين توضيح أدوار السلطة المعنية بتسوية أوضاع المصارف ومجالس الشريعة في حالة الإفلاس.
وقد أكدت الأزمة المالية العالمية الأخيرة أهمية صناع السياسات في الاستجابة على نطاق النظام للمخاطر التي تهدد الاستقرار المالي. وغالبا ما يوصف التمويل الإسلامي بحكم طبيعته بأنه ينطوي على مخاطر أقل من الصيرفة التقليدية، لأن الإقراض يكون قائما على أساس الأصول وتكون نسبة كبيرة من التمويل في صورة حسابات تقاسم الأرباح والخسائر إلا أن هذه المزايا المحتملة لم تختبر بصورة كاملة وربما يوازنها جزئيا على الأقل، الاستثمار الكثيف في الميزانيات العمومية للمصارف الإسلامية في قطاعات تعد معرضة نسبيا لأخطار دورات الانتعاش والكساد، مثل العقارات والتشييد. ويؤيد ذلك الرأي الداعي إلى تحسين القدرة على رصد تراكم المخاطر النظامية ووضع أدوات تنظيمية وغيرها من أدوات السلامة الاحترازية الكلية للتدخل عند الضرورة. وربما يؤدي اختلاف المعاملة الضريبية للدين وأسهم الملكية وارتفاع الضرائب من المعاملات متعددة الطبقات إلى وضع التمويل الإسلامي في مركز غير مؤات في المنافسة، وهو ما يتطلب موازنة التدابير في مناطق الاختصاص التي يعمل فيها التمويل الإسلامي جنبا إلى جنب مع النظام المالي التقليدي. وعلى سبيل المثال تسمح معظم نظم ضريبة الشركات باقتطاع مدفوعات الفائدة من الدخل الخاضع للضريبة؛ ولكفالة قابلية المقارنة سيتعين تطبيق معاملة مشابهة لمدفوعات الأرباح المتصلة بالعقود المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. وهناك تعقيدات إضافية متصلة بتطبيق بعض الضرائب غير المباشرة، مثل ضرائب الطوابع التي تفرض على الوثائق القانونية وغيرها من الضرائب المفروضة على بعض المعاملات، بالنظر إلى أن المعاملات المالية المتوافقة مع الشريعة غالبا ما تتضمن خطوات متعددة. وقد أدى تنامي التمويل الإسلامي عبر الحدود إلى إبراز هذه القضايا ويدعو بقوة إلى التقيد الوثيق بأفضل الممارسات.
نما إصدار الصكوك على مستوى العالم بمعدلات كبيرة منذ عام 2006 رغم انطلاقه من قاعدة منخفضة، وبلغ 120 مليار دولار عام 2013 مع بلوغ مجموع الصكوك القائمة 270 مليار دولار في نهاية ذلك العام. ورغم أن ذلك لا يمثل إلا نحو 0.25 في المائة من أسواق السندات العالمية، ورغم أن الإصدار يتركز في ماليزيا وبلدان مجلس التعاون الخليجي، إلا أن الاهتمام يتزايد في إفريقيا وشرق آسيا وأوروبا. وتحرك الطلب طائفة من الكيانات السيادية، والمؤسسات متعددة الأطراف، والشركات متعددة الجنسيات، والشركات الوطنية من كل من الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة التي ترغب في توسيع نطاق أنشطتها الاقتصادية ومشاريع التنمية التي تمولها.
ومن الطبيعي أن يكون هناك طلب على الصكوك من مؤسسات التمويل الإسلامية، التي لا توجد لديها سوى بضعة خيارات أخرى فيما يتعلق بالأدوات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. إلا أن هناك اهتماما قويا أيضا من الكيانات المالية التقليدية، بفضل الفرصة التي توفرها هذه الأدوات للتنويع. ويعني تطوير الصكوك السيادية القدرة على تحديد مستويات مرجعية من العائد تيسر التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية من كيانات القطاع الخاص.
برهنت الصكوك على تسجيل أداء قوي في تمويل مشاريع تحسين البنية التحتية. وقد استخدمتها ماليزيا لتطوير المطارات والموانئ البحرية والطرق. وليس مطار الملكة علياء الدولي في الأردن وصالة الحجاج في مطار الملك عبدالعزيز الدولي في السعودية سوى مثالين على الشراكة بين القطاعين العام والخاص الممولة بالأدوات الإسلامية. ونظرا لخاصية تقاسم المخاطر التي تتسم بها الصكوك، تتوافر لهذا الأدوات ميزة كأداة لتمويل مشاريع البنية التحتية؛ ذلك أن تصميمها يشبه تصميم الشراكات بين القطاعين العام والخاص التي يقوم المستثمرون من خلالها بتمويل الأصول وامتلاكها، ما يؤدي إلى تورق حقيقي للصكوك. وقد صممت الصكوك من البداية لنشر المخاطر على نطاق أوسع لأن جميع المستثمرين يشاركون في المخاطر بصورة موحدة، ومرونة أكبر بمرور الوقت لأن المدفوعات تكون مربوطة بعوائد أساسية وليست بجداول زمنية محددة سلفا. وعلاوة على ذلك تشير التجربة إلى أن الصكوك يمكن أن تساعد البلدان على الاستفادة من قاعدة متنامية ومتفرغة ومتنوعة عالمية من المستثمرين وعلى إغلاق فجوات البنية التحتية في البلدان. ويتوقع أن تستمر سوق الصكوك في التوسع بوتيرة سريعة للغاية، وسيتيح تطورها للمصارف الإسلامية القدرة على النفاذ إلى الأصول السائلة مرتفعة الجودة اللازمة للامتثال لمعايير السيولة الدولية. ويتطلب تعميق هذه السوق تطوير الإطارين القانوني والتنظيمي، وتعزيز البنية التحتية، وزيادة إصدار الأدوات السيادية ذات آجال الاستحقاق المتنوعة لإدارة الدين العام ضمن إطار قوي لإدارة المالية العامة، كما يتطلب تطوير الأسواق الثانوية. وتمثل المعايير الدولية للمحاسبة والمعالجة الإحصائية للصكوك عنصرا أساسيا أيضا.
وكما أشار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون فإن هناك إمكانات هائلة أمام التمويل الإسلامي لدعم النمو الشامل للجميع، وتمويل البنية التحتية، وتعزيز الاستقرار، إذا توافرت السياسات التي تأخذ خصائصه الفريدة في الحسبان.

إنشرها