default Author

التمويل الإسلامي يتجاوز حدوده ويتفرع بالصكوك «2 من 3»

|


في حين يتوقع أن يؤدي توسع التمويل الإسلامي إلى دعم النمو، فإنه يفرض تحديات في مجالات التنظيم والرقابة وإجراء السياسة النقدية. إضافة إلى الآليات الرقابية التي يتطلبها التمويل التقليدي بوجه عام، حيث يتطلب التمويل الإسلامي حماية الحسابات الاستثمارية، والحوكمة القائمة على الشريعة الإسلامية، وجوانب معينة من متطلبات كفاية رأس المال فيما يتعلق بالعقود الإسلامية ومعالجة الحسابات الاستثمارية. وتوجد أهمية خاصة لهذه المسائل التنظيمية والقانونية بسبب تزايد تعقيد المعاملات مع سعيها إلى الالتفاف حول حظر الفائدة. ومن ثم فإن أهمية إدارة المخاطر للمصارف الإسلامية لا تقل عن أهميتها للمصارف التقليدية، رغم اختلاف المنهج في بعض الجوانب بالنظر إلى تفرد طبيعة العقود الإسلامية الأساسية، على سبيل المثال، الاعتراف بخاصية تقاسم الأرباح والخسائر.
وينطوي التمويل الإسلامي على انعكاسات مهمة بالنسبة للسياسة الضريبية. فالنظم الضريبية غالبا ما تشجع التمويل على أساس نسبة الدين إلى أسهم الملكية. ومن الضروري ضمان التكافؤ في المعاملة الضريبية للمعاملات المالية الإسلامية وألا يسوء وضعها في المنافسة. وهناك فجوات في أدوات البنك المركزي في إدارة سيولة المصارف الإسلامية. ومن القضايا الأساسية توسيع نطاق الأدوات المتوافقة مع الشريعة وبناء أسواق تتسم بالسيولة. ومن العوامل التي تشوب التمويل الإسلامي افتقاره إلى شبكات أمان متطورة، وعدم وجود تسهيلات لا تتعارض مع الشريعة للتأمين على الودائع، وتسهيل المقرض الأخير. ويمثل أيضا تدني مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة لدى المستهلكين والندرة النسبية لفقهاء الشريعة تحديات أمام تطور هذه الصناعة.
وقد تؤدي هذه العوامل إلى إضعاف نطاق التمويل الإسلامي في مجال تعزيز النفاذ إلى التمويل في مناطق الاختصاص التي يمثل فيها التطوير المالي أهمية خاصة للنمو. ويمكن أيضا أن تهدد سلامة الصناعة وأداءها السليم. ولذلك تتعين مواصلة الجهود من أجل تحسين طرق تطبيق المعايير القائمة للتمويل الإسلامي على كل من الصعيدين الوطني والدولي.
ولا تزال الصناعة في معظمها وليدة، وتفتقر إلى اقتصادات الحجوم، وتعمل في بيئة لا تستفيد من سماتها الخاصة. حتى يتسنى للتمويل الإسلامي أن يحقق إمكاناته للنمو المتماسك، يتعين أن يحرز تقدما في عدد من المجالات.
وقد قامت هيئات وضع المعايير الإسلامية "بما في ذلك مجلس الخدمات المالية الإسلامية، الذي يوجد مقره في كوالالمبور وأنشئ عام 2000 بتحديد المعايير، إلا أن الممارسات التنظيمية والرقابية في كثير من مناطق الاختصاص لا تعالج حتى الآن بالكامل المخاطر المحددة التي تختص بها المصارف الإسلامية. ويمكن أن يشجع ذلك المؤسسات على التركيز على الثغرات للالتفاف حول القواعد التنظيمية غير المؤاتية في مناطق الاختصاص التي تعمل فيها المصارف الإسلامية جنبا إلى جنب مع المصارف التقليدية أو عبر الحدود. ومن القضايا بالغة الأهمية كيفية تعريف كفاية رأس المال. فمعايير العمل المصرفي الإسلامي تعطي هيئات الرقابة سلطة تقديرية للحد من رأس المال الإلزامي إذا كان المصرف يمول من حسابات تقاسم الأرباح التي تعكس طبيعة استيعاب الخسائر في المعاملة. إلا أن ذلك التقدير الاستنسابي يجب أن يطبق بشفافية ودون المبالغة في تقدير قدرات المصارف على فرض الخسائر على أصحاب الحسابات فيها.
ومن الثغرات الخطيرة التي تواجه المصارف الإسلامية والسلطات النقدية في مناطق اختصاصها الندرة النسبية لأدوات سوق المال وأسواق المال المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. وينتقص ذلك من قدرة المصارف الإسلامية على إدارة السيولة بفعالية، ما يرغمها على حيازة أرصدة نقدية أكبر من اللازم ويقيد قدرتها على توظيف ودائعها لتحقيق المصلحة العليا للمودعين وللاقتصاد الكلي للبلد. وبالمثل، ما لم تكن هناك معاملات في أسواق المال المتوافقة مع الشريعة الإسلامية تكون لدى البنوك المركزية أدوات محدودة متاحة لتحقيق أهداف سياستها النقدية، ولا سيما في الحالات التي تمثل فيها المصارف الإسلامية جزءا كبيرا من النظام. وفي هذه الحالات، يكون من الأولويات المهمة تشجيع استحداث أوراق مالية قصيرة الأجل نسبيا يمكن استخدامها للمعاملات بين المصارف الإسلامية وضمانا للعمليات النقدية. وتفرض الأدوات المالية الإسلامية أيضا تحديات خاصة في مجالات حماية المستهلك والمستثمر. فعلى سبيل المثال، قد لا يكون أصحاب الحسابات في المصارف الإسلامية على دراية في جميع الأحوال بانكشافهم للخسائر: ويتعين شرح هذه المخاطر بشفافية. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن توفر ترتيبات الحوكمة للمصارف الإسلامية دورا مناسبا لأصحاب الحسابات الاستثمارية، نظرا للمخاطر الإضافية التي يتحملونها. وتدعو هذه الصعوبات إلى إيلاء اهتمام أكبر بمعايير مجالس الخدمات المالية الإسلامية.
من المخاوف المتزايدة أن المسؤولية عن ضمان الامتثال لأحكام الشريعة تترك في أحيان أكثر من اللازم لمجالس الشريعة في فرادى المصارف، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى عدم الاتساق. ولمعالجة هذه المشكلة، يتعين اتباع منهج من شقين: الأول وضع إطار قوي لحوكمة الشريعة على المستوى الوطني، والثاني إيجاد دور للهيئات التنظيمية لكفالة استقلالية الهيئات الرقابية لمجالس الشريعة على مستوى المصارف واستيفائها معايير معينة.
وأحد التحديات الرئيسة في جميع النظم المالية إنشاء أطر لضمان احتواء الصدمات التي تتعرض لها فرادى المؤسسات والأسواق، لدى وقوعها، وعدم تقويض الثقة باستقرار النظام المالي بوجه أعم. ويتطلب ذلك جملة أمور، منها وجود نظام فعال للتأمين على الودائع، وأطر للتسوية القانونية وتسوية أوضاع المصارف تحديدا في حال وقوع أزمات مالية، والقدرة على توفير مساعدة طارئة بتوفير السيولة إذا لزم الأمر... يتبع.

إنشرها