Author

الوحدات الاستراتيجية.. والمعايير الدولية لجودتها

|

تعني كلمة "معيار" في معجم المعاني الجامع "نموذجا متحققا أو متصورا لما ينبغي أن يكون عليه الشيء". أما باللغة الإنجليزية فترجمة الكلمة هي Standard، وتحمل في قاموس كامبريدج معنى مشابها يقول "نموذج مقبول بشكل عام". وقد ازدادت عبر العقود السابقة الحاجة إلى وضع معايير مقبولة دوليا في شتى المجالات، والسبب هو تزايد اعتماد أطراف العالم أمما كانت أو مؤسسات على بعضها بعضا في الصناعة والزراعة والتجارة؛ وتحول العالم، عبر الإنترنت والفضاء السيبراني إلى قرية صغيرة. ولم تقتصر المعايير الدولية على تقديم نماذج تحمل صفات مقبولة للمنتجات التي تقدمها الدول والمؤسسات في مختلف المجالات، بل شملت أيضا نماذج تحمل صفات مقبولة لإجراءات العمل والإدارة، على رأسها "معايير إدارة الجودة" اللازمة للمؤسسات المختلفة.
ولعل من المناسب الإشارة هنا إلى أن "نماذج المعايير الدولية" سواء الخاصة بالمنتجات أو بالإجراءات لا تقدم الصفات "الأفضل" في مجالاتها، بل تعطي الصفات "الفاضلة" المقبولة والمرضية للمستفيد، مراعية في ذلك حدودا مقبولة "لموثوقية" المعطيات التي تقدمها و"أمانا" مقبولا للاستفادة منها. فالصفات الأفضل أو المضافة إلى المعايير تكون أقرب إلى الرفاهية غير الضرورية، ناهيك أيضا عن التكاليف الزائدة التي تسببها ولا تكون عادة في متناول أغلب المستفيدين.
سنطرح في هذا المقال "المبادئ والمتطلبات الرئيسة" للمعايير الدولية "لأنظمة إدارة الجودة" في الوحدات الاستراتيجية على مستوى المؤسسات الصادرة عن "الهيئة الدولية للمعايير ISO"، لنلقي بذلك مزيدا من الضوء على قضية الجودة التي تحدثنا عنها، وتطور الأفكار بشأنها في المقالات السابقة. وقد أخذنا في الاعتبار وثيقتين رئيستين من وثائق هذه المعايير: الأولى بعنوان "الأسس والمفردات"، ورمزها "ISO 9000"؛ والثانية عنوانها "المتطلبات"، ورمزها "ISO 9001".
تستند الجودة طبقا للوثيقة الأولى إلى سبعة مبادئ رئيسة. يقضي المبدأ الأول "بالتركيز على العميل"، حيث يهتم بمتطلبات العملاء الواضحة ويحاول الاستجابة لمتطلباتهم الكامنة. ويركز المبدأ الثاني على "وجود القيادة المسؤولة" التي تسعى إلى توحيد توجه إدارات الوحدة الاستراتيجية نحو هدف مشترك، يتمثل في تكامل العمل على تطوير الجودة، والاستمرار في ذلك. أما المبدأ الثالث فيتطلع إلى "إشراك جميع العاملين" الذين يمثلون الوحدات الاستراتيجية الأساسية للمؤسسة على مختلف مستوياتهم في التوجه نحو تطوير الجودة والإسهام في ذلك بما يعزز قيمة المؤسسة، والوحدة الاستراتيجية المستهدفة، وجودة معطياتها.
ونأتي إلى المبدأ الرابع الذي يركز على "الاهتمام بالإجراءات"، ويؤكد ضرورة فهم جميع جوانب إجراءات العمل وإجراءات الإدارة، وربما على أساس تقييم جوانب "السبب والأثر" في مختلف نواحيها؛ ويضاف إلى ذلك السعي لإيجاد السبل لتطوير فاعليتها وكفاءتها، وتحسين مخرجاتها. أما المبدأ الخامس فيؤكد أن يكون "التحسين مستمرا" على أساس أن ذلك يمثل مطلبا رئيسا لاستمرار النجاح.
ويهتم المبدأ السادس بمسألة "اتخاذ القرارات"، ويقضي بأن يتم ذلك "على أساس الأدلة". ويحتاج هذا المبدأ إلى جمع المعلومات وتحليلها؛ ويضمن تنفيذه سلامة قرارات التطوير والتحسين التي يجري اتخاذها. ونصل إلى المبدأ السابع الذي يركز على "العلاقات الخارجية" للوحدة الاستراتيجية، ويؤكد ضرورة بناء علاقات تعاون مثمر بينها وبين الوحدات الاستراتيجية المهتمة بها، والمتعاملة معها.
انطلاقا من هذه المبادئ السبعة تحدد الوثيقة الثانية "المتطلبات"، أي ما يجب تنفيذه لبناء النموذج المعياري الدولي لإدارة الجودة في الوحدات الاستراتيجية على مستوى المؤسسات. وقد قسمت الوثيقة ذلك إلى سبعة أقسام رئيسة.
يقضي القسم الأول من المتطلبات "بتوصيف الوحدة الاستراتيجية المستهدفة" توصيفا متكاملا يتضمن: استيعاب أهدافها وتطلعاتها، وشؤون عملها، وفهم احتياجاتها وتوقعاتها؛ والقيام على أساس ذلك بوضع تعريف أولي بنظام إدارة الجودة الذي تحتاج إليه. أما القسم الثاني فيهتم "بتحديد مهمات الإدارة العليا"، ويتضمن ذلك: تأكيد التزام هذه الإدارة بالجودة المنشودة ووضع سياسة عامة لتحقيقها وتحديد المسؤوليات والصلاحيات المرتبطة بها.
ويركز القسم الثالث على القيام "بالتخطيط المتكامل للجودة" ويشمل وضع أهداف محددة للجودة المطلوبة، ودراسة التوجهات والنشاطات المطلوبة، وبيان الفرص التي تتاح لها، والمخاطر التي تواجهها، ووضع الخطط اللازمة لتنفيذها، مع التعريف بأساليب التغيير التي سيتم اتباعها في تنفيذ الخطط. ويهتم القسم الرابع "بتحديد متطلبات الدعم" التي ترتبط بالمصادر الأساسية التي تحتاج إليها الوحدة الاستراتيجية مثل البنية العامة، والبيئة، والعاملين. ويضاف إلى ذلك قدرة العاملين على المنافسة، ووعيهم بشأن الجودة، والتواصل، وإعداد التقارير.
ونأتي إلى القسم الخامس الذي "يحدد متطلبات التشغيل"، وتشمل هذه المتطلبات: التخطيط للتشغيل والتحكم فيه، وأخذ احتياجات المنتجات والخدمات المستهدفة في الاعتبار، إضافة إلى الإجراءات والخدمات والمنتجات الخارجية ذات العلاقة، والتحكم في المخرجات غير المتوافقة مع المتطلبات. ونصل هنا إلى القسم السادس الخاص "بالتعريف بمتطلبات تقييم الأداء" التي تشمل: المراقبة والقياس والتحليل والتقييم؛ والتدقيق الداخلي؛ والمراجعة الإدارية.
وتبرز في القسم السابع والأخير "متطلبات التحسين المستمر"، ولهذه المتطلبات ثلاثة جوانب رئيسة. يهتم الجانب الأول منها بتحديد متطلبات تطوير المخرجات من منتجات وخدمات. ويحدد الجانب الثاني العمل المطلوب لتصحيح المخرجات غير المتوافقة مع المتطلبات. ويهتم الجانب الثالث بالاستمرار في التحسين، ووسيلة ذلك خطوات "ولتر شوارت Walter Shewhart" الأربع في التطوير الدوري لإجراءات العمل التي تشمل: التخطيط، والتنفيذ الجزئي، والاختبار، واتخاذ قرار التطوير PDCA التي تحدثنا عنها في مقالات سابقة.
وبالطبع هناك تفاصيل في الوثيقتين حول كل ما سبق من مبادئ ومتطلبات لإدارة الجودة في الوحدات الاستراتيجية على مستوى المؤسسات. ولعل القارئ الكريم الذي تابع سلسلة مقالات الجودة وهذا خامسها يلاحظ أن المعايير الدولية لم تأخذ في الاعتبار جميع أفكار الجودة التي طرحها خبراء الجودة على مدى أكثر من قرن من الزمن. فقد ركزت على الأساسيات التي رأتها ضرورية لجميع المؤسسات العاملة في شتى المجالات، وقابلة للتنفيذ بحد مقبول من الجهد. ولا شك أن الباب مفتوح لأخذ مزيد من أفكار الجودة في الاعتبار، بل "ابتكار مزيد منها" أيضا تبعا للاحتياجات.

إنشرها